يطلق على سنغافورة في كثير من الأحيان اسم ” النقطة الحمراء الصغيرة” ، وهي دولة صغيرة بالكاد تظهر على خريطة العالم ، وعلى الرغم من حجمها الصغير ، فإن أحد الأشياء التي ربما لا يعرفها الكثيرين أن سنغافورة أخذه في النمو والتطور منذ استقلالها في عام 1965م ، كما أن مساحتها الفعلية زادت بمعدل 25% تقريبًا ، وتصل مساحتها اليوم إلى ما يقرب من 720 كيلومتر مربعًا ، وسوف نلقي نظرة على كيفية تطور سنغافورة دون أن تمتلك أي موارد طبيعية تساعدها على ذلك .
سنغافورة في وقت مبكر : كانت سنغافورة في يوم من الأيام عبارة عن مجموعة من المستنقعات وأشجار المانجروف والقرى الصغيرة ، ولذلك كان استصلاح الأراضي أمرًا ضروريًا لاستيعاب الزيادة السكانية ، وكان هذا الاستصلاح أحد العوامل التي ساعدت هذا البلد حتى يصل إلى ما هو عليه الآن .
استصلاح الأراضي : كانت مساحة سنغافورة تبلغ حوالي 581.5 كيلومتر مربع في عام 1960م ، وقد كان استصلاح الأراضي نشاط معروف في سنغافورة وبالتحديد منذ عام 1822م بعد أن اتخذتها بريطانيا مستعمرة لها بأربعة سنوات ، فقد قام البريطانيون بتجريف تل قريبة للمستنقعات لردم المستنقعات الموجودة على الضفة الجنوبية لنهر سنغافورة ، لتوسيع منطقة التجارة في سنغافورة ، وموقع التلة الحالي هو منطقة Raffles Place وهي مركز المنطقة التجارية في سنغافورة ، بينما أصبح المستنقع رصيف للقوارب ثم ميناء تجاري رئيسي ، والمنطقة بأكملها تعم بالنشاط التجاري كما أنها مقر للحياة الليلية من الحانات والمطاعم .
فترة الاستعمار : كان لموقع سنغافورة أهمية كبيرة بالنسبة للبريطانيين ، وقد تركزت جهود الاستصلاح في ذلك الوقت حول نهر سنغافورة والموانئ في جنوب سنغافورة بهدف زيادة وتسهيل الحركة التجارية ، وهذه الموانئ كانت تقع في نفس مكان طريق Beach road الحالي ، وقد كانت تلك السواحل تحظى بشعبية كبيرة بين الأوروبيين الأثرياء الذين كانوا يحبون الاستمتاع بالشاطئ ، كما أن سنغافورة كانت تضم عدد من المعابد والأضرحة والمساجد وجميعها كانت تمتد على طول طريق Telok Ayer كرمز للمجموعات الدينية الرئيسية التي أتت إلى سنغافورة ، وكانت هذه الأماكن الدينية هي أول المزارات التي يأتي إليها المهاجرون بعد رحلة طويلة .
ومن مشاريع الاستصلاح المبكرة أيضًا كان مشروع ردم مستنقعات المانجروف في كالانغ باسين ، وهيذه المنطقة كانت تشتهر بأنها “أسوأ الأراضي الموبوءة بالبعوض في الجزيرة” ، و على هذه الأرض تم بناء مطار Kallang في عام 1937م ، وهو أول مطار دولي تجاري في سنغافورة ،وقد توقف عن العمل في عام 1955 عندما تم بناء مطار Paya Lebar .
وخلال فترة الاستعمار تم استصلاح حوالي 3 كيلو متر مربع فقط من الأرض ، وتبدو هذه المساحة صغيرة جدًا بالمقارنة بالمساحة التي تم استصلاحها فيما بعد ، ولكنه أيضًا ليس بالأمر الهين نظرًا للاختلاف الكبير في حجم الإمكانيات والتكنولوجيا الآن وسابقًا .
فترة ما بعد الاستقلال : توقفت عمليات الاستصلاح من أربعينيات وحتى ستينيات القرن العشرين ، حيث كانت تلك الفترة مضطربة بسنغافورة بسبب الاحتلال الياباني لسنغافورة خلال الحرب العالمية الثانية ، ثم اندماجها وانفصالها عن ماليزيا ، وبعد أن استقلت سنغافورة بدأت عمليات الاستصلاح مجددًا ، ما أدي إلى زيادة مساحتها بمقدار 138 كيلومتر مربع خلال 50 عامًا فقط .
ويعد مشروع توسيع الساحل الشرقي أحد أكبر مشاريع الاستصلاح الرئيسية ، حيث تم إنشاء منطقة سكنية وتجارية كاملة على الأراضي المستصلحة ، وقد امتد هذا المشروع على مدار 30 عامًا ، وتعتبر عملية تمهيد الطريق المؤدي منطقة مارينا باي (وهي مركز مالي كبير اليوم) جزء من هذا المشروع .
وبالنسبة للمناطق الغربية فقد تم استصلاح الأراضي حول مناطق جورونغ وتواس بغرض الاستخدام الصناعي ، مثل إنشاء أحواض بناء السفن ومرافق الصناعات البحرية والبتروكيميائية ، كما أن العديد من الجزر البحرية في الجنوب الغربي تأثرت أيضا باستصلاح الأراضي حيث تم توسيع بعض الجزر ، في حين تم دمج بعضها بشكل كامل لتشكيل كتل كبيرة من الأراضي مثل جزيرة جورونغ والتي كانت في السابق عبارة عن 7 جزر أصغر تم دمجهم معًا ، وهي مركز رئيسي لصناعة البتروكيماويات الآن .
النمو في المستقبل : تقوم سنغافورة حاليًا بتطوير تقنيات جديدة لتسهيل عملية الاستصلاح وجعلها أكثر استدامة ، والاعتماد بدرجة أقل على الرمال ، حيث أن سنغافورة وبسبب قلة مواردها الطبيعية تقوم باللجوء لجيرانها مثل اندونيسيا وماليزيا للحصول على الرمال ، وقد أصبح هذا الأمر مشكلة حين قررت اندونيسيا حظر بيع الرمال لسنغافورة في عام 2007م ، ولكن ومع الزيادة المستقبلية المتوقعة في عدد السكان تخطط سنغافورة لاستصلاح المزيد من الأراضي لتوفير مكان لسكانها الجدد .