أخبار الدنماركأربدك-Arbdk
المرأة المهاجرة واللاجئة تبرز إبداعها من خلال التطريز والخياطة والحياكة – بثينة شاهين
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
المرأة المهاجرة واللاجئة تبرز إبداعها من خلال التطريز والخياطة والحياكة
بثينة شاهين
مشروع خيط ومشروع نسيج حياتي ـ مركز بحوث النسيج، جامعة كوبنهاغن، الدنمارك
خلال زيارتي لمشروع فنون في مدرسة التصميم في مدينة كولن في يولاند ـ الدنمارك، أحسست بالبيئة المريحة المفعمة بالحياة والإبداع والناتجة عن تلاقي النساء المهاجرات واللاجئات. ففنون هو مشروع إبداعي يتيح للنساء ممارسة حرف يدوية كالخياطة والتطريز والحياكة. ويهدف على المدى البعيد إلى انخراطهن في سوق العمل الدنماركي من خلال مثلاً مطابقة مؤهلاتهن بمتطلبات سوق العمل و بيع منتجاتهن.
انطلقت بالأمس بالقطار من جزيرة زيلاند حيث تقع عاصمة الدنمارك كوبنهاجن متجهةً نحو جزيرة يولاند حيث قطع القطار الجسور الجميلة المبينة فوق المياه. وجهتي كانت مدرسة التصميم وذلك لتغطية ورشة عمل حول الخياطة والتطريز والحياكة، حيث تجتمع العديد من النساء المهاجرات واللاجئات مع المصممات الدنماركيات ويحكن ويخيطن ويطرزن معنا، بينما ترتشفن الشاي وتتناولن البسكويت وتتبادلن الأحاديث. تخلق هذه الورشة جواً لطيفاً خالياً من ضغوط الحياة وتمثل منفذاً للنساء تمارس من خلاله ابداعهن اليدوي وتلتقين بنساء أخريات سواء مهاجرات واللاجئات أو دنماركيات.
ورشة العمل في مدينة كولن
وصلت إلى ورشة العمل التي تندرج ضمن إطار مشروع فنون التي تقيمها وتشرف على إدارتها مدرسة التصميم في مدينة كولن، حيث يشكل الأجانب من أصول غير غربية ١١,٦٪ من إجمالي عدد السكان في المدينة حسب إحصائيات الدنمارك. دخلت بناء المدرسة الجميل والمزين بألوان مختلفة وبراقة، والتي تحاول مقاومة الجو الرمادي الشتائي الدنماركي. عبرت الممر المليء بالمرايات المنعكسة حتى وصلت مدرج واسع ودافئ يحتل البيانو فيه موقعاً استراتيجيا. بعد عتبة المدخل مباشرة حضَرت المصممتان سولفاي صوناغو والكساندرا لينديك بالتعاون مع مستشارة المشروع هدى سلكا مكاناً لورشة العمل حيث كان هناك طاولة كبيرة مجهزة بالأدوات اللازمة للحياكة والتطريز من الأقمشة والإبر والخيوط.
تخبرنا هدى بحماس رائع: نحن مجموعة من النساء اللواتي أطلقن اسم “فنون” على المشروع. مشروع فنون يشكل بالنسبة للنساء المشاركات ملتقى فني وثقافي يهدف إلى دمجهن وتعريفهن على سوق العمل الدنماركي و خلق فرص عمل لهن بالاعتماد على ذاتهن ومواهبهن بدون الحاجة لرأس مال كبير.
تجلس النساء المهاجرات واللاجئات حول الطاولة، منهنَ من يقمَن بتصميم غطاءات لمرايات، وبعضهن تطرزن رسمات جميلة ممتلئة بالزهور والأوراق وبعضهن تتبادلن الأحاديث مع المصصمات بينما تعملن. هدى، مستشارة المشروع، التي يبدو عليها الحماس الكبير اللافت للنظر والتي تعبر عن هذا الحماس بكل حيوية وبريق في عينيها قائلةً:
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
مشروع فنون يعطي النساء المهاجرات واللاجئات فرصة لممارسة العمل اليدوي مثل الخياطة والتطريز والحياكة. العديد من النساء لم تمارسنَ العمل اليدوي سواء كحرفة أو هواية منذ فترة طويلة، مع العلم أنهن كنَ يعملنَ مع أهلهم بهذه الحرف خاصة أهالي الأرياف حيث كنَ يصنعن قطع حرفية للمشاركة في البازرات المختلفة.
وبالفعل من خلال مشروع فنون بدأت العديد من النساء بإحياء هواية الخياطة والتطريز بعد فترة طويلة من الانقطاع عنها. العديد من المهاجرات واللاجئات يقطن في الدنمارك منذ أكثر من عشرين سنة، وخلال إقامتهن في الدنمارك لم تقمَن بممارسة هذه الهواية بسبب وجود العديد من شركات الألبسة العملاقة التي تمدهنَ بمنتجات جيدة وبأسعار رخيصة جداً. بعض النساء، اللاجئات منهنَ، تنحدرن من مناطق كانت ومايزال فيها حروب، لذلك يعانين من صدمات نفسية وتعتمدن على نظام الرعاية الاجتماعية الدنماركي الذي يمدهن براتب شهري ما يكفي لدفع أجار البيت وشراء لوازم الحياة اليومية. هؤلاء النساء لم تدخلن سوق العمل الدنماركي لأن القائمين على تقييم مهارتهن لم يكتشفوا مهارات النساء اليدوية. وبعض النساء، المهاجرات منهن، هن مستقلات مادياً ولا تتلقين مساعدات مادية من البلدية. يسعى مشروع فنون إلى إبراز قدرات النساء اليدوية حيث تقوم المصممات في المدرسة بتقديم الدعم النفسي والمادي للنساء ضمن مشروع فنون، والذي يشكل جزءاً من مشروعين كبيرين أحدهما يدعى “خيط” والذي يموله صندوق الإبداع الدنماركي والآخر يدعى “نسيج حياتي” ممول من قبل الاتحاد الأوروبي. تشجع المصممتان سولفاي واكساندرا ومستشارة المشروع هدى النساء على عملهن اليدوي لانهنَ معجبات جداً بعمل وقدرات النساء ويدركنَ أن النساء لديهن فرصة لدخول سوق العمل الدنماركي. لذلك تقمنَ بالبحث عن طرق جديدة ترمي إلى جعل منتجات النساء تتماشى مع الذوق والسوق في الدنمارك. فمثلا عند اختيار الألوان تنصح سولفاي واكساندرا وهدى النساء باستخدام اللون الأزرق والأخضر واللذان يتماشيان مع ذوق الدنماركيين. بالاضافة إلى أن التصميم يجب أن يكون أبسط من التصاميم المعتادة عليها النساء، حيث التصميم الدنماركي معروف بالبساطة. كلاً من الكساندرا وسولفاي وهدى أدركن أن العديد من النساء تتمتعن بموهبة الحياكة والخياطة والتطريز ولكن من الملاحظ أنهنَ لا تعرنَ انتباه كبيراً إلى التفاصيل التي تجعل المنتج اليدوي يظهر أنه مصنوعاً بشكل مثاليا مطلقاً خالياً من الأخطاء حتى الصغيرة جداً منها.
تقول هدى ضمن هذا الإطار:
لقد شاركت النساء في أسواق أعياد الميلاد بمنتجاتهن. تعمل النساء بتوجيه مني ومن المصممات الأخريات من المدرسة في كولن، مثلا بالنسبة لإختيار الألوان ولان يكون كل شيء مشغول بشكل ممتاز وعالي الجودة لأن إتقان العمل مهم بالنسبة لنا وللسوق الدنماركي بشكل عام. هناك أحياناً اختلاف بالنسبة للتقنية. خلال عيد الميلاد وجهنا النساء حول السعر المناسب ووضعنا الأسعار بشكل عال لكي يتماشى مع جودة منتجاتنا. أن تصنع قطعة بجودة عالية وتبيعها بتكلفة ٣٠٠ كرونة أفضل من صنع العديد من القطع التي تنقصها المهنية والتي يتم بيعها بأسعار رخيصة. والاسعار تتناسب من تكلفة المواد حيث تقوم مدرسة التصميم بشراء مواد عضوية ذات نوعية عالية جداً. نريد أن نبني اسماً معروفاً في السوق ونرغب أن تثق الناس بمنتجاتنا.
البعد النفسي والاجتماعي للمشروع
كما ذكرت سابقا يهدف مشروع فنون على المدى البعيد إلى إدماج النساء في سوق العمل. لكنه يهدف أيضاً إلى خلق شعور لدى النساء المهاجرات واللاجئات على أنهنَ مرحباً بهنَ كمواطنات ذوات قيمة عالية تساهمن في إغناء المجتمع الدنماركي اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً. بعض النساء تعانين من الصدمات النفسية بسبب الحروب وبعض هؤلاء النساء لم تشفين من هذه الصدمات بعد. في نفس الوقت يواجه المهاجرون الجدد في الدنمارك سن قوانين صارمة من قبل الدولة الدنماركية. مثالا على ذلك إصدار الدولة في شهر كانون الأول السنة الماضية العديد من القوانين في مجال الإقامة والإعانات المادية الخ. يأتي مشروع فنون لخلق بيئة تتنفس النساء من خلالها وتفكر بأشياء بعيدة عن التوتر السياسي والاقتصادي، تعلق هدى على ذلك قائلة:
يهدف مشروع فنون للأشغال اليدوية إلى اخراج النساء المهاجرات واللاجئات من جو الضغط والتفكير والعزلة التي تواجههن في حياتهن اليومية بسبب انتقالهن للعيش إلى الدنمارك. هنا يتوجب عليهن تعلم التحدث باللغة الدنماركية والتعرف على ثقافة وتقاليد ومفاهيم جديدة وغير مألوفة لهن. والمشروع يشكل في ذات الوقت منفذ للنساء للتحدث عن الضغوط والتحديات التي تتعرضن لها في حياتهن اليومية، وتشجعنَ وتدعمنَ بعضهنَ البعض من خلال التحدث عن التجارب والنجاحات الصغيرة والكبيرة التي تحققها هنا في الدنمارك..(…)..مثلاً عندما تخبرنا إحداهنَ بفخر وسعادة انها باعت بعضا من منتجاتها اليدوية. وكثيرا ما تعلمنَ بعضهنَ تقنيات حرفية جديدة في التطريز او الحياكة .
تحدثت مع احدى المشاركات في الورشة، اسمها جميلة في الخمسينيات من العمر. سيدة من سوريا تأتي بشكل متواصل إلى الورشة مع ابنتها الصغيرة. جميلة ليست سعيدة جداً لعدة أسباب منها الحرب في سوريا وبعدها وشوقها لبعض أفراد عائلتها في سوريا من جهة، والقوانين المتقلبة في الدنمارك من جهة أخرى. جميلة سعيدة بالقدوم إلى مشروع فنون حيث تعبر قائلة:
أنا مبسوطة كتير وماكنت حاطة ببالي هذا الشغل. لم اتخيل هذا الشي. تعرفت على هذا المشروع عن طريق مدرسة اللغة الدنماركية. برتاح نفسيا لما بخيط، القعدة بالبيت متعبة، الوضع صعب جداَ، من خلال المشروع انبسط نوعا ما. أتعلم هنا رسمات مختلفة سواءً من المدرسة أو من المشاركات.
هدى تقول أن العمل اليدوي المتمثل بالحياكة والخياطة يبعث النساء إلى بناء الثقة بأنفسهن وتقدير أنفسهن. النساء ماهرات وتستطعن إنتاج القطع الجميلة وعندما أعبر للنساء عن اعجابي بمنتجاتهن ينبسطن وتظهر البسمة على وجوههن. لذلك فإن النساء ترغبن بالاندماج بشكل أكبر عن طريق العمل اليدوي وإظهاره للأخرين كي يقدرونهم.
بالاضافة إلى البعد النفسي يضفي مشروع فنون بعداً اجتماعيا ايجابياً لدى النساء. فبما أن النساء المهاجرات واللاجئات تنحدرن من بلدان مختلفة، البعض من تايلاندا والصين والبعض عربيات وكرديات مثلا من سوريا والعراق وكردستان العراق وايران. يتيح المشروع للنساء التعرف على بعضهن والتحدث عن الفروق والتشابهات الثقافية حيث تتبادلن المعرفة وتقدرن التنوع الثقافي. وجودهن مع نساء دنماركيات يضفي شيئًا خاصاً بالنسبة للنساء فإنهنَ سعيدات جدا بلقاء دنماركيات من خلال المشروع لأنَهن على الرغم من وجودهن في الدنمارك لسنوات طويلة جداً فإنَهن لايختلطن كتيراً من الدنماركيين .
أما بالنسبة لاطار العمل اليدوي فهدى ترى ان تجمع النساء معاً ضمن الورشة يقوي تواصلهن الاجتماعي والتقني هي تقول:
مشروع فنون يعطي النساء فرصة التواصل، فعندما تعملن مع بعض تلهمن بعضهن وتتعلمن من بعضهن.
مثال على كلام هدى أن وجودامرأة من تايلاندا، تقوم بتصميم وجوه مطرزة لمرايات جيبية. فهي تلهم باقي النساء حيث يقمن بنقل تصميمها وانتاجه بألوان حسب اختيارهن. كما يخلق المشروع فرصة لتعلم المهن اليدوية للراغبات في حال لم تجربن ذلك من قبل. جميلة تخبرني أن العديد من اخواتها يعملن في الخياطة ولكنها لم تعمل كتيرا مثلهنَ فقط جربت المهنة أحيانا،فهي تقول:
تعلمت اخوتي الخياطة من أمي حيث كانت تخيط لنا ملابسنا. ماما خيطت ملابس لي، احدى اخواتي درست مدرسة الفنون النسوية لمدة ثلاثة سنوات ومعهد سنتين. كانت جميلة لاتعرف الخياطة ولكن تعلمت من أهلها حيث كانت أمها تصنع الملابس حيث تتصور موديل معين وتقوم بتطبيقه. انا بعرف شوي لاني تعلمت وانا طالبة بالمدرسة الخياطة. من خلال مشروع فنون استرجعت ذاكرتي بالخياطة.
النساء يلهمن بعضهن من خلال الجلوس في الورشة ويقمن أيضا بالإلهام أفراد أخريات عبر الانترنت، في هذا المنحى تقول جميلة:
بنتي الكبيرة عاملة مشروع بسوريا بالخياطة والتصميم، هي من زمان كان عندها هذه الفكرة، هلق من الفراغ ابتكرت الفكرة، شجعتها كتير. اجيت الى فنون وشجعنا بعض، انا بفرجي بنتي شو بساوي وهي بتفرجيني شو عم بتساوي. نلهم بعضنا البعض. عندها موهبة تصميم كبيرة.
خاتمة
ناقش هذه المقال اظهار قدرات المرأة المهاجرة واللاجئة المتجسدة بالعمل اليدوي كالخياطة والتطريز والحياكة من خلال مشروع فنون الذي يخلق بيئة مريحة مليئة بالإبداع. تتلاقى المصممات الدنماركيات مع النساء المهاجرات واللاجئات ضمن هذا المشروع، حيث تشجعن النساء ويحفزهن على إظهار أعمالهن المبدعة من خلال التطريز والحياكة. ترتاح النساء المهاجرات واللاجئات من أعباء الحياة بممارسة العمل اليدوي. أنا أرى أنَ هذا المشروع له إمكانية كبيرة لخلق فرص خاصة بادماج النساء المهاجرات واللاجئات في السوق الدنماركي، لذلك أمل باستمراريته.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});