كيف فقد كوكب المريخ المياه التي تدفقت عبر سطحه منذ مليارات السنين؟ إنه لغزٌ قديم، لكن يعتقد العلماء أنهم يملكون الإجابة. حيث يعتقدون أن الكثير من هذه المياه أصبحت مُحاصرة في الطبقة الخارجية للكوكب (قشرته). أما المياه القديمة، فتوجد على شكل معادن موجودة في صخور المريخ.
ناقش العلماء هذه الاكتشافات في المؤتمر 52 لعلوم القمر والكواكب، ونشرتها مجلة العلوم أيضاً. استخدم الباحثون في دراستهم القياسات التي تم جمعها من المركبات الفضائية التي تدور حول المريخ والنيازك. بعد ذلك، طوّر الباحثون “محاكاة حاسوبية” لكيفية فقدان الماء من الكوكب بمرور الوقت.
منذ أكثر من أربعة مليارات سنة، كان كوكب المريخ أكثر دفئاً ورطوبة، وكان غلافه الجوي أكثر سماكةً. كما كانت المياه تتدفق عبر الأنهار في الكوكب وتقطع القنوات في الصخر ثم تتجمع في الحفر الناتجة عن الاصطدام. كان من الممكن أن يحتوي هذا الكوكب الأحمر على كمية كافية من الماء لتغطية سطحه بالكامل في طبقة يتراوح عمقها بين 100 متر وكيلومتر واحد. لكن بعد حوالي مليار سنة، تحول المريخ إلى الكوكب البارد المهجور الذي نراه اليوم.
قال عالم الكواكب الدكتور “بيتر جريندورز”، الذي لم يشارك في الدراسة الأخيرة: “لقد اكتشفنا منذ فترة طويلة أن المريخ كان أكثر رطوبة في البداية. لكن المصير المؤسف لتلك المياه سبب مشكلة حقيقية”. كما قال الدكتور لقناة BBC الإخبارية: “بعد دراستنا للغلاف الجوي للمريخ، علمنا أن بعضاً من تلك المياه قد فُقد في الفضاء، وتُخبرنا رواسب الجليد الموجودة على السطح وتحته مباشرةً أن بعض الماء قد تجمد”.
الهرب إلى الفضاء:
تحوي الأرض على غلاف مغناطيسي يعمل كدرع لمنع الغلاف الجوي من الهروب. لكن الدرع المغناطيسي للمريخ ضعيف ويمكن أن يسمح لمكونات الماء بالهروب من الكوكب. لكن معدل هروب الهيدروجين (أحد المكونات الكيميائية للماء) من هذا الغلاف الجوي اليوم يشير إلى أن ذلك السبب لا يمكن أن يكون “القصة الكاملة”.
قالت المؤلفة المشاركة “إيفا لينجان شيلر” من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech): “إذا افترضنا أن معدل الفقد الحالي للهيدروجين كان هو نفسه في الماضي، فإنها كمية صغيرة جداً من الماء التي يمكن فقدها خلال عملية الهروب هذه”. بمعنى آخر، يجب أن يكون معظم الماء قد ذهب إلى مكان آخر!.
تُظهر “النمذجة الحاسوبية” أن ما بين 30% و99% من مياه المريخ قد تم دمجها في المعادن ودُفنت في قشرة الكوكب. كما صرحت المؤلفة المشاركة العالمة “بيثاني إيلمان”، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا أيضاً، بما يلي: “من خلال دراسة البيانات من بعثات المريخ، أصبح من الواضح أنه كان من الشائع العثور على دليل على تغير نسبة المياه”. وتابعت “إيلمان” قائلة: “عندما تتبدل القشرة فإنها تأخذ الماء السائل وتحبسه في معدن رطب يحتوي على الماء في تركيبته بحيث يتم احتجازه بشكل فعال”.
في الواقع، يشير المؤلفون إلى أن الكوكب قد فقد معظم مياهه منذ حوالي 4.1 إلى 3.7 مليار سنة. حدث ذلك خلال فترة من تاريخ المريخ أطلق عليها الباحثون اسم “العصر القديم”.
تغير مناخ كوكب المريخ:
قال الدكتور “مايكل ماير”، كبير العلماء في برنامج ناسا لاستكشاف المريخ: “كان الهدف الرئيسي لاستكشاف المريخ هو متابعة المياه. لأن المياه تلعب دوراً مركزياً في الجيولوجيا والمناخ والحياة على الكوكب. إنها معلومات مهمة للغاية لفهم كمية المياه الموجودة على المريخ، وكيف يمكن أن تضيع وأين قد تكون موجودة اليوم”.
وأضاف الدكتور “جريندورز”: “إن ما تخبرنا إياه هذه الدراسة الجديدة هو أن الكثير من تلك المياه، وربما الغالبية منها، كان من الممكن بالفعل حبسها في الصخور على سطح المريخ. وإن عملية الترطيب هذه قادرة على تخزين كميات كبيرة من الماء، تصل إلى كمية تعادل طبقة بعمق كيلومتر واحد. وعلى الرغم من اختفاء المياه بعد حوالي مليار ونصف المليار سنة من تشكل المريخ، فإننا نرى أدلة على وجود معادن رطبة على السطح اليوم. تتم دراسة ذلك في مناطق مثل Jezero Crater، والتي يتم استكشافها حالياً بواسطة المسبار المتجول”.
يظل “مناخ المريخ القديم” أحد أهم الموضوعات التي تتم دراستها في علم الكواكب. تساعد هذه الدراسات في فهمنا للعمليات المسؤولة عن فقدان المياه بشكل عام.
اقرأ أيضاً: محطة فضائية دولية باتفاقية الوصول إلى سطح القمر!