رئيسة وزراء الدنمارك إلى تل أبيب وسط انتقادات شعبية وسياسية وإعلامية
رئيسة وزراء الدنمارك إلى تل أبيب وسط انتقادات شعبية وسياسية وإعلامية
تواجه رئيسة حكومة يسار الوسط الدنماركي ميتا فريدركسن انتقادات لاذعة على خلفية قرارها التوجه إلى تل أبيب، بعد غد الخميس، في زيارة مشتركة مع المستشار النمساوي سبستيان كورتز، بحجة “الاستفادة من التجربة الإسرائيلية في تقديم اللقاح لشعبها”.
ومنذ إعلان رئاسة الوزراء رسمياً في نهاية الأسبوع عن هذه الرحلة، أُثير جدل كبير ومتواصل في كوبنهاغن عن أهداف الزيارة. واليوم، الثلاثاء، تصاعدت المواقف بعدما كُشف النقاب عن هدف الزيارة باعتباره “التعاون في مجالات الأبحاث وتصنيع اللقاحات وشراء الفائض منها”.
هذا الإعلان، ومشاركتها كورتز في الزيارة، باعتباره يمثل معسكر اليمين في فيينا، وضع فريدركسن في مرمى انتقادات أحزاب اليسار ويسار الوسط، التي تشكل قاعدة برلمانية لحكومتها.
واعترفت فريدركسن بأنها عرضت شراء اللقاح الفائض لدى دولة الاحتلال، وأن “تجربة تقدم إسرائيل في مجال تطعيم شعبها ضد كورونا تستحق الدراسة”، ما دفع المواطنين والسياسيين على وسائل التواصل، وخصوصا على “تويتر”، إلى وضع فريدركسن في موقف صعب.
وتحولت دولة الاحتلال إلى “تريند” دنماركي (المرتبة الأولى اليوم الثلاثاء)، تارة بسبب “خرقها الإجراءات القاضية بمنع سفر المواطنين، فيما تسافر فريدركسن إلى بلد مغلق أساساً”، وفي أخرى بسبب “منع الفلسطينيين من الحصول على اللقاحات وممارسة سياسة أبرتهايد بحقهم”، كما ذهب معلقون من معسكري يسار ويمين الوسط أيضاً.
وتتواصل الانتقادات اللاذعة من مواطنين دنماركيين عاديين على مواقع التواصل، وعبر بعضهم عن رفضه التعاون “مع دولة تحتل بشكل غير شرعي أراضي شعب آخر وتعامله بطريقة فصل عنصري”.
الأحزاب اليسارية، مثل “اللائحة الموحدة” و”الشعب الاشتراكي”، ويسار الوسط كحزب “راديكال فينسترا”، انتقدت، رغم حساسية كورونا وتعطش الناس إلى أي حل، وهجوم لوبيات صهيونية على اليسار، خطوة فريدركسن أيضاً من زاوية تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين.
واعتبرت تلك الأحزاب في مواقفها المتتالية أنه “في الوقت الذي أظهرت فيه إسرائيل فعالية في تطعيم سكانها، فإن سكان المناطق المحتلة من الفلسطينيين لم يُسمح لهم بالقدر ذاته من التطعيم”.
وذهب مقرر الشؤون الخارجية في “الشعب الاشتراكي” كارستن هونغي إلى تسمية السياسة الإسرائيلية بأنها تقوم بـ”لقاح فصل عنصري، وهو مصطلح دقيق للغاية، ولا أعتقد أنه يجب شراء اللقاح من الإسرائيليين”.
وعبر هونغي، اليوم، عن موقف شخصي في كلام مباشر للدنماركيين بالقول: “سأكون متردداً جداً في قبول تلقي لقاح كان يمكن أن يذهب للفلسطينيين، بحسب الاتفاقات الدولية، ويجب رفض التمييز ضد الفلسطينيين، وعلى ميتا فريدركسن ألا تتحدث عن تجربة إسرائيل وكأنها قصة مشرقة ومنيرة للآخرين”.
ولم يبتعد حزب “اللائحة الموحدة” اليساري عن موقف “الاشتراكي”، مبدياً اعتراضه على الزيارة وعلى قبول شراء ما يسمى “لقاح فائض”.
واعتبر الحزب أنه “كان على فريدركسن أن تثير مع بنيامين نتنياهو التمييز وتقديم اللقاح للفلسطينيين بالدرجة نفسها”. ووجهت القيادية في الحزب بيرنيلا سكيبر انتقادات لفريدركسن لتعاونها مع دولة الاحتلال وقالت إن “على الدنمارك ألا تنهب اللقاح من يد الفلسطينيين تحت الاحتلال”.
وزير الخارجية السابق مارتن ليدغورد، ومقرر السياسات الخارجية عن “راديكال”، يسار وسط، عبر باختصار عن موقف حزبه الرافض لخطوة فريدركسن بالقول إنه “لا يجب أن تسلب الدنمارك اللقاح من أيادي الفلسطينيين”.
انتقادات السياسيين الدنماركيين تستحضر بشكل مواز “القوانين الدولية السارية على الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تكمن مسؤولية الاحتلال عن الشعب المحتل”، بحسب ما يذهب قادة في “اللائحة الموحدة”، الذي يعد الحزب الأكثر نقدا لسلطات الاحتلال ويدعو مع شريكه الاشتراكي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية على النسق السويدي (التي اعترفت بالدولة قبل نحو 5 سنوات).
الانتقادات الموجهة من الأحزاب المؤيدة لفريدركسن دفعت أيضاً يمين الوسط الدنماركي المعارض إلى الطلب من رئيسة الحكومة “إثارة قضية تطعيم الشعب الفلسطيني. ورغم أهمية أن نصبح في أوروبا أكثر فعالية في اللقاح، إلا أنه يجب ألا ننسى أن التعاون يجب أن يشمل حصول الشعب تحت الاحتلال على اللقاح”، بحسب تصريحات مقرر السياسات الخارجية في “فينسترا” الليبرالي، ميكال أوستروب ينسن.
وحاولت سفارة تل أبيب شطب مسؤولية الاحتلال بحسب القوانين الدولية التي يتذرع بها المنتقدون، إذ اعتبرت السفارة أن “إسرائيل غير مسؤولة بعد اتفاقية أوسلو في التسعينيات”، فيما تصر الأحزاب والمؤسسات الدنماركية المعارضة للتعاون مع تل أبيب على “شمول الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر بقوانين دولية تنظم علاقة الاحتلال بشعب المناطق المحتلة”، بحسب “اللائحة الموحدة”.
إرسال اللقاحات من دولة الاحتلال تناولته أيضاً الصحافة العبرية في الأسبوع الماضي، وأكد بعضها على أن 19 دولة، من بينها المجر وجمهورية التشيك وهندوراس وغواتيمالا، والآن الدنمارك والنمسا، دخلت في تعاون لاستلام لقاحات “فائضة”.
انتقادات في الصحافة الليبرالية
من جهة أخرى، وجهت الصحافة الدنماركية، التي وجدت في إعلان الزيارة المشتركة إلى تل أبيب فرصة للتسليط على دولة الاحتلال، انتقادات، بعضها مبطن وآخر مباشر.
وذهبت كبرى الصحف الليبرالية، “بيرلنغكسا”، إلى انتقاد واضح للزيارة “فهي تأتي قبل أسابيع قليلة من انتخابات الكنيست (3 مارس/آذار الحالي)، ودفعة لـ(بنيامين) نتنياهو الساعي لإعادة انتخابه”.
والمثير في تقرير “بيرلنغسكا” الموسع تسليطها الضوء على “فضيحة بانتظار فريدركسن في مطار تل أبيب، فبينما 600 ألف إسرائيلي يُمنعون من العودة من الخارج، والبعض يراها خطة لنتنياهو لمنعهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع، تحط فريدركسن وسط سجال حول الرجل وانقسام المجتمع الإسرائيلي”.
ولفتت الصحيفة إلى أن “المتدينين اليهود باتوا أكثر حظوة عند نتنياهو، إذ يلعب بورقتهم لمنحهم حرية أكثر من تلك الممنوحة للعلمانيين والآخرين في المجتمع، بما في ذلك السماح للحريديم بالعودة من الخارج بحجة العودة إلى حلقات التدريس الديني”.