(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
دخل قرار الدنمارك حظر النقاب في الأماكن العامة حيز التنفيذ في الأول من أغسطس/آب الجاري. وبحجة حماية القيم الدنماركية، أُقر حظر النقاب وما يشبهه من غطاء الوجه عبر تصويت في البرلمان الدنماركي في مايو/أيار الماضي لتنضم الدنمارك إلى مثيلتيها فرنسا وبلجيكا.
غير أنني لن أرغب في اتباع قانون يجرّمني لما أرتديه من ثياب. سانضم إلى منصة Kvinder I Dialog الدنماركية المعنية بحقوق المرأة وإلى الكثير من النساء الأخريات من المسلمات وغير المسلمات للاحتجاج على حظر النقاب في مسيرة تجوب البلاد وأنا أرتدي نقاباً، لأن هذا، في نهاية المطاف، اختيارنا، بغض النظر عمّا تراه حكومة اليمين المعتدل في الدنمارك. من الآن فصاعداً، ستعدني الحكومة خارجة عن القانون لأنني أرتدي النقاب في الأماكن العامة، مجرد قطعة من القماش أرتديها باختياري وأفخر بها للغاية. بجانب شعوري بالتهميش والقهر، أشعر بخيبة الأمل أيضاً، من الساسة في البرلمان الذين سنوا القانون الذي يحرمني من أبسط حقوقي فقط في أن أكون كما أنا. أشعر بخيبة الأمل من أن في هذا البلد الذي يُسمَّى «البلد الحر» لا أستطيع أن أعبر عن هذا الجزء من هويتي الذي أصبح النقاب دليلاً عليه، لمجرد أنَّه «يؤذي شعور» أشخاص لا يعنيهم الأمر.
من الآن فصاعداً، لو ارتديت النقاب، لن أتمكن من حضور محاضرات في جامعتي، ولا التسوق في البقالات ولا حتى الجلوس بسلام في أحد المقاهي مع أصدقائي دون أن أكون في نظر الدولة خارجة عن القانون. سأصبح من الآن منبوذة في قاعات الدراسة وفي الشوارع لمجرد ارتدائي النقاب الذي لا يقع من ورائه أي أذى يذكنبر. يدهشني أن أرى هذا القدر من عدم التسامح، في مجتمع يُفترض أنه مجتمع عصري. نعارض كل من يختلف عنا بأي صورة كانت، حتى وإن كان -دون أن يؤذي أحداً- يرتدي بسلام ثياباً لا يرتديها عموم الدنماركيين، أو يفكر أو يعيش بطريقة خلاف المألوف. وأشعر بخيبة أمل من أننا، كدنماركيين، في مجتمع يُفترض أنه جزءٌ من العالم الديمقراطي الغربي المعولم، قد تملكت منا مشاعر الكراهية لدرجة وصلت بنا إلى حد تشريع قانون يستهدف مجموعة من النساء البريئات؛ نساءٌ يمكن أن يقال عنهم أنهن أقلية داخل الأقلية. تقتطع الحكومة في الدنمارك مبالغ ضخمة من القطاع العام، بما يؤثر بصورةٍ كبيرةٍ على خدمات الرعاية المقدمة لكبار السن، ومجال التعليم والرعاية الصحية وغيرهم؛ ولكن بدلاً من الالتفات لهذه الأمور العظام، قررت الحكومة أن تنفق مواردها على الدفع في سبيل سن هذا القانون الذي جانبه التوفيق، قانونٌ لا يؤثر في أرض الواقع إلا على أقلية ضئيلة من النساء اللاتي يرتدين النقاب في الدنمارك. ما ذكرته في الأعلى مجرد لمحة عن شعوري بأنَّ الدولة لم تعد تراني إنساناً له حقوق؛ بل أصبحت تراني خطراً على أسلوب الحياة الدنماركي.
وسط كل هذا نست الحكومة أننا نحن معشر النساء اللاتي يرتدين النقاب، أفرادٌ نشطون في المجتمع. نحن الأخوات والأمهات والزوجات والجارات وزميلات العمل والطالبات. نحن مبدعات، وذكيات، ومتلزمات. ربما يكون لنا مظهرٌ مختلف عن الجموع، ولكن يقيناً نحن نعمة عليه من عدة أوجه. أشعر بالحزن من هذا القمع الذي أتعرض له في أسلوب حياتي من الساسة الذين يريدون إجباري على كشف وجهي. بل وأشعر بالنقمة أكثر من أنَّ هذا يحدث في مجتمع ينادي بالحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية، وأن ترتدي النساء ما يردن. غير أن تطبيق القانون أثبت أنَّ تلك المُثل العليا أبعد ما تكون عن أولويات المجتمع الدنماركي، وأنَّ أولوياته تنصب أكثر على نشر الخوف من الأجانب إلى حدٍ يصعب إصلاحه، دون استناد إلى أي شيء سوى الاعتقاد المضلل بأنَّ السماح للنساء بالتعبير عن أنفسهن بأي طريقة تتصل بالإسلام يُشكل بطبيعة الحال تهديداً للمجتمع. ربما يقول أعضاء البرلمان إنَّهم كانوا مدفوعين بالرغبة في «تحرير» النساء المسلمات.
غير أن كراهيتهم لنا واضحة. الحق أنك لا تستطيع أن تُحرر شخصاً حرره دينه بالفعل.
هذا المقال مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});