يخجل مهاجرون عرب ممن اتخذوا ألمانيا وطناً بديلاً لهم منذ زمن بعيد، أو أجبرتهم الظروف على ذلك مؤخراً، من تصرفات عصابات الجريمة العربية التي تحمل صبغة عشائرية، والتي تواجهت أخيراً مع عصابات روسية شيشانية
لم يتوقف السجال الألماني العام، كما في مجتمعات الهجرة في البلاد، حول انتشار العصابات خلال الأعوام الماضية، بشكل غير مسبوق. ومنذ عامين بدأت الشرطة الألمانية، خصوصاً مكتب مكافحة الجرائم الفيدرالي على مستوى ولايات مختلفة، ملاحقة ما بات يعرف بـ”عصابات العشائر العربية” إلى جانب أخرى بدأت بالظهور منافسة لها، كما في حال العصابات الروسية التي يطلق عليها “عصابات الشيشان”. وتعمل السلطات منذ خريف 2019 على التضييق على تلك الجماعات التي توصف بأنّها “ترتكب جرائم منظمة على طريقة المافيا” بفرض سيطرة وتحكم على سوق المخدرات والممنوعات، وفرض إتاوات ومضايقات على سكان ألمان وأجانب في الضواحي. وبالكاد توجد وسيلة إعلامية أو صحيفة ألمانية لا تتعاطى مع تطور الحالة، وإبراز مخاطر استمرار العالم السفلي بالسيطرة، ما دعا إلى التحذير من خطر ذلك على مجمل سياسات ألمانيا في الدمج وفرض قوانين الدولة.
الشرطة الألمانية واجهت لسنوات مشكلة تصفها بـ”ثقافة الصمت” في صفوف تلك العشائر التي تضم مئات المنتسبين الأساسيين والآلاف من الأنصار، إذ احتسب، وفقاً لتقارير الشرطة والصحافة المحلية، أنّ كبرى العائلات تقوم على “الولاء المطلق للعصابة”. وعادت عصابات برلين إلى الواجهة مع التوترات التي شهدتها المدينة في نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إثر صدامات بدأت في إحدى الضواحي المعروفة باكتظاظ سكاني مهاجر، وهي نيوكولن، بين ما تطلق عليه الصحافة “عصابات العشائر” و”عصابات الشيشان”. بدأ النزاع بسكاكين، ليصاب 11 شخصاً بجروح، وتطور مع بداية الأسبوع الثاني إلى إطلاق نار. وفيما تحاول الشرطة الألمانية فرض النظام بسبب الاحتجاجات المتتالية على ضوابط كورونا، وجدت نفسها تدفع بقوات إضافية للسيطرة على الوضع، بعدما أصبح صراع العصابات يشكل صداعاً مجتمعياً وسياسياً في البلاد.
تحاول “العربي الجديد” في هذا التحقيق إلقاء الضوء على تلك العصابات وكيف تعمل، وتأثير تصرفاتها على أغلبية المهاجرين الباحثين عن حياة بسلام بعد أكثر من خمس سنوات على تدفق نحو مليون لاجئ إلى البلاد. فمن حي نيوكولن، يبدي رب الأسرة اللاجئ من سورية منذ 2015، عوني نحفاوي، قلقه على أسرته ومستقبلهم في البلاد، مضيفاً: “لم أكن أتصور أنّ أسرتي التي هربت بها من جحيم الحرب السورية ستعيش جحيماً مختلفاً في قلب العاصمة الألمانية برلين”. وغير بعيد عن ذلك الحيّ، تذكر السيدة سناء السيد، أنّها قلقة مما يحدث: “لا أريد لأبنائي المراهقين التورط في مغريات العصابات أو في مشاكل قانونية، ولم أتصور أن يكون الوضع بهذا السوء الذي لم يتغير منذ 2014، فمن المؤسف أنّك تعيش في عاصمة البلد الأوروبي الأكبر والأكثر تقدماً، في أجواء عصابات ومشاكل شبه يومية… الأغلبية الساحقة سئمت مما يجري”. حديث السيد عن المغريات توضحه وسائل إعلام ألمانية في تناول تفصيلي عن ركوب شبان من “العشائر” أحدث وأغلى السيارات، من ماركات “بورش” و”لومبورغيني” و”مرسيدس” و”بي إم دبليو” فيما تعتقد شرطة مكافحة الجرائم أنّ كلّ ذلك في سياق “غسل أموال الاتجار بالمخدرات وأسواق الممنوعات”، وفقاً لتقارير متعددة للمكتب وتصريحات رئيسه، هولغر مونك.
بعض من استطلعتهم “العربي الجديد” يقلقهم وصم العرب بأنّهم “عصابات عشائر” وهو توصيف بات يتخذ طابعاً رسمياً وإعلامياً، حتى وصل الأمر بكبرى المؤسسات الإعلامية الألمانية مثل “دير شبيغل” و”بيلد” إلى تخصيص مساحات كبيرة من التغطية لما تسميه “عصابات العشائر العربية”. وأخذت “بيلد” توصيف “عشائر عربية” في تغطيتها لهذه الحالة منذ خريف العام الماضي، فيما عرضت “دير شبيغل” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تقريراً مصوراً بتحقيق اثنين من صحافييها عن “سلطة العشائر” بالاستعانة بكتاب صادر بالعنوان نفسه، عن هذه العصابات. هؤلاء يشعرون منذ سنوات بقلق من شكل هذه التغطية لمجريات اقتتال العصابات، وهيمنتها على أسواق وشوارع بعينها في عدد من الولايات الألمانية التي تعيش فيها عائلات مهاجرة منذ ثمانينيات القرن الماضي. ففي نيوكولن في قلب العاصمة برلين، سمي الشارع الرئيس بـ”شارع العرب” منذ سنوات، فهناك تنتشر مقاهٍ ومطاعم ومتاجر عربية مختلفة النشاطات، من قبل أن يتطور الوضع إلى ما يسميه الإعلام منذ فترة بـ”الصراع على النفوذ في الشوارع والأرصفة”.
حوادث العنف الأخيرة في برلين، التي وصفتها الشرطة الألمانية يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بأنّها تأتي في سياق “حرب عصابات عشائر عربية – روسية” أثارت مجدداً قلق عرب ألمانيا. فتسمية “عشائر عربية” تشمل كلّ التشكيلات العصابية من خلفيات شرق أوسطية، وإن كان فيها أتراك وأكراد، وبعض هؤلاء الذين يعيشون في المدينة ومدن ألمانية أخرى يصفون ما يجري بأنّه “أشبه عملياً بحروب مافيا وشبيحة على مسروقات وأسواق مخدرات ودعارة”. ويخشى كثيرون، سواء من داخل تلك التكتلات، المسلحة جيداً بحسب التقارير الأمنية، والتي تمارس مضايقات بحق السكان الرافضين للضجيج والبلبلة التي يثيرها شبان العصابات، الإدلاء بشهاداتهم بأسماء صريحة لوسائل الإعلام المحلية أو للشرطة التي تواجه مشكلة في الحصول على شهادات ضد الأفراد، وإن كانت محاكمها تعج بقضايا التهديد والمضايقات، التي تطاول سكاناً ألماناً، كما في قضية عبد القادر عثمان الذي يعرف بأنّه عضو في إحدى العصابات اللبنانية، و يواجه أمام المحاكم اتهامات بمضايقة وتهديد زوجين متقاعدين ألمانيين من جيرانه، بعدما اشتريا شقة حيث يسكن المستأجر عثمان مع 6 من الأطفال وشريكة حياته. مثل هذه القضية يعتبر من المواد الدسمة للصحافة الألمانية ولحزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني، في مواقفه المتشددة ضدّ المهاجرين.
يذكر أبو أسامة، من برلين، أنّ “الأغلبية الصامتة تشعر بحنق وقرف من مشاهد كثيرة، ولا يمكنك حتى التحدث بالعربية مع بعض هؤلاء الذين يُطلق عليهم عرب في برلين، فالمشهد لا يدعو لفخر، كأن تنظر إلى عمليات تفحيط بسيارات يحتاج الألماني ربما لسنوات طويلة من الادخار لشراء مثلها، وأن يكون الاقتتال السخيف على ترويج المخدرات في تجمعات يقطنها مهاجرون، وأن تنقل الصحافة الألمانية أنّ حروب العشائر تقوم على المخدرات والدعارة وتبييض الأموال. كلّ ذلك لا يدعو أبداً لشعور جيد… الناس لا يتعاطفون مع هؤلاء، بالرغم من أنّ الشرطة الألمانية بدت قاسية جداً تجاه الشبان الذين لا علاقة لهم بالعصابات في مقاهي نرجيلة في نيوكولن”. أبو أسامة واحد من العارفين عن قرب بإحدى العصابات وهي “عشيرة أبو شاكر” التي هاجرت من لبنان في أوج الحرب الأهلية (1975- 1990). من خلاله تمكنت “العربي الجديد” من التحدث إلى شاب قريب من هذه العصابة، وهو يرفض كلّ المغريات والضغوط الممارسة عليه ليكون جزءاً منها، وقد رفض ككثيرين غيره ذكر اسمه الصريح، وكان مقتضباً حتى لا تُكشف هويته. يؤكد أنّ “ما يجري هو دوران في حلقة مفرغة، فعملياً يجري توريث عضوية العصابة بفعل الولاء الأسري الصارم، ولا أحد في هذا العالم (عالم الجريمة المنظمة) يشي أو يكسر الولاء، فمن يُعتقل يجري فوراً احتساب تعويض مالي له ولأسرته، ريثما يخرج، وبذلك يبقى صامتاً ولا يبوح بشيء. المؤسف أنّ كثيرين لا علاقة لهم بالأعمال الإجرامية، وبالرغم من ذلك هم محسوبون على الأسر، بفعل الكنية والعلاقات الاجتماعية، لكنّي أظنّ أنّ الشرطة صارت أكثر تخصصاً وتعرفاً بالمتورطين أكثر”.
تختلف الأرقام من عام إلى آخر حول أعداد أفراد تلك العصابات في ألمانيا، ومؤخراً بدأ العمل على فحص ارتباط بعضها بعصابات تنشط في جنوب السويد، وفقاً لتقارير أمنية سويدية وألمانية هذا العام. وبالرغم من ذلك، تشير السلطات الألمانية إلى أنّ “هناك بنية هرمية لمعظم العشائر” وأشهرها: مرعي وأبو شاكر، ورمّو، والزين، وأخرى أصغر حجماً. ونقلت وسائل إعلامية ألمانية، من بينها “بريلنر زايتونغ” التي تغطي أخبار برلين وما حولها، تقدير مدير مكتب مكافحة الجرائم في الشرطة، هولغر مونك، أنّ “واحداً من كلّ ثلاثة مشتبه بهم في أعمال الجريمة المنظمة هم من تلك العشائر”. وبالرغم من نشاط عصابات بولندية وناطقة بالروسية، فإنّ التركيز الأمني والإعلامي على “عصابات العشائر” يعود لقدم وترسخ عملها من إسن وبريمن في غرب وشمال البلاد إلى العاصمة برلين. ويقدر هولغر، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “هاندلسبلات” ومحطة “آ ردي” أنّ “عالم الجريمة المنظمة في تلك العصابات وجد تطورات ملفتة خلال الـ30 عاماً الماضية، ولا يجب ترك الأمور تسير بهذا الشكل لسنوات مقبلة”. وفي السياق، أشار مدير شرطة إسن في الغرب الألماني، فرانك ريختر، إلى أنّ العصابات تتسع بشكل لافت ومقلق “فنحن أمام تطورات يسعى فيها العراقيون إلى دخول التنافس على سوق المخدرات، بعدما كانوا يعملون لمصلحة العصابات القديمة، وهذا أمر يجب ملاحظته بشكل جيد”.
وكانت وزارة الداخلية الألمانية كشفت في خريف 2019 أنّ محققيها في نوردهاين ويستفاليا، وحدها، يقومون بمتابعة نحو 26 ألف شخص، من بينهم نحو 10 آلاف لديهم أحكام ومخالفات، وأنّها في عام 2019 نفذت نحو 860 حملة أمنية واعتقلت المئات على ذمة قضايا. ونقلت وسائل إعلام ألمانية عن متخصصين في عالم الجريمة المنظمة أنّها تشكل معضلة للبلاد “مع اتساع نطاق ونوعية عمل العصابات المنظمة في ألمانيا”. وفي السياق، يذكر تقرير شامل نشرته “ستيرن” في يناير/ كانون الثاني الماضي أنّها “عصابات جريمة منظمة منغلقة إثنياً في مجتمع موازٍ، في بريمن ونوردهاين ويستفاليا وسكسونيا السفلى، وهي ذات بنية هرمية وأبوية تتبع مجموعة قيم خاصة بها، وهيكلها شبيه بهياكل عصابات المافيا”، بحسب مدير مكتب مكافحة الجرائم في ألمانيا، هولغر مونك. ويشير مونك إلى أنّ العشائر “تختلف عن عصابات الدراجات النارية التي انتشرت سابقاً في ألمانيا، من حيث الانتماء المناطقي والعشائري، وينحدر أغلبهم من أصول عربية وكردية وتركية، ويسعون بشكل دائم إلى تعزيز النفوذ والهيمنة المناطقية”.
وتشير أرقام مصادرات الشرطة في 2018 و2019 إلى أحجام متضخمة لأرباح العصابات، ففي حملة واحدة فقط، جرى التحفظ على 77 عقاراً، وعدد من السيارات الفارهة، نشرت بعض الصحف صور وأسعار تلك السيارات باهظة الثمن، بالإضافة إلى مصادرة ملايين اليوروهات المخبأة في أماكن سرية، باستخدام كلاب للكشف عنها، بحسب الإعلام الألماني.
بدورها، شكلت عائلة مرعي صداعاً أمنياً وسياسياً للدولة الألمانية منذ العام الماضي. فقد حُكم على “رأس العشيرة” إبراهيم مرعي، وأبعد من بريمن إلى العاصمة اللبنانية بيروت، بمساعٍ من وزير الداخلية، هورست زيهوفر شخصياً، في صيف 2019، على خلفية قضايا سطو مسلح وجرائم عديدة ارتكبها بين 1989 و2014. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019 عاد الرجل من بيروت ليقدم طلب لجوء، فاكتشفت الشرطة هويته ورحّلته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 مجدداً إلى بيروت. وبعد اكتشاف عودة مرعي إلى ألمانيا، ثار نقاش ألماني للدفع بتشريعات جديدة بقصد سحب جنسية المنخرطين في العصابات لترحيلهم إلى بلدان الأهل الأصلية، نظراً إلى أنّ أغلب شباب تلك العشائر ولد في ألمانيا. وتهدف السلطات إلى تشديد قبضتها على عالم الجريمة، بعد تخوفات كبيرة على سياسة الدمج التي انتهجتها ألمانيا مع الوافدين الجدد قبل نحو 5 سنوات. ومعظم الحملات الأمنية لمطاردة تلك العصابات تصاعدت خلال الـ18 شهراً الماضية، بعدما وجدت الشرطة الألمانية طريقة لتفكيك شيفرات العصابات، ومداهمات مفاجئة لمقاهٍ وأندية ليلية، بالرغم من انتقاد اليسار لها باعتبارها “تستهدف كلّ من يرتاد مقاهي النرجيلة”. وأكدت رئيسة شرطة برلين، باربرا سلوفيك، في المقابل، أنّ شرطة المدينة لا تعمل عشوائياً بل “تنتهج سياسة توضح عملها بشفافية”، مشيرة إلى أنّ الحملات الأمنية الصارمة التي تعيشها برلين هي “لكسر مقولة المجرمين عن كونهم لا يُمسّون” وفقاً لما نقلت عنها الصحافة المحلية.
ولا تعتمد الشرطة الألمانية على مراقبة الأعمال الإجرامية فحسب، بل بدأت أيضاً، وفقاً لمدير مكتب مكافحة الجرائم، هولغر مونك، التضييق على عالم الجريمة من خلال مكافحة غسل أموالها، وسلبها وسائل شراء عقارات وسيارات باهظة الثمن أو تهريب الأموال إلى الخارج، بالرغم من فشلها أحياناً في الوصول إلى فكّ رموز عمليات كبيرة، منها سرقة من متحف في برلين لعملات ذهبية وصل وزنها إلى 100 كيلوغرام.
بالرغم من أنّ سكان برلين من العرب، قدامى وجدد، يخشون التحدث عن ذلك العالم الخفي للعصابات، فإنّ بعضهم تحدث عن أثر ما يجري على عموم قاطني البلاد من أصول عربية. وفي السياق يذكر الناشطان الفلسطينيان في صفوف شبيبة برلين العرب، محمود خطاب ورشيد مهيبي، مخاوفهما التي تتوافق مع ما ذكره أبو أسامة وسناء السيد. فالناشطان المقيمان في المدينة منذ 30 عاماً يشيران إلى أنّ الوضع “ليس سهلاً، فبالرغم من محاولات جمعيات ومساجد، من مختلف الخلفيات، وشخصيات عامة التدخل لوقف هذا التدهور، وليس أقله أنّ تسمية عشائر عربية تصيب كلّ العرب، فإنّ المغريات المالية، والمكانة في العصابات، تظل أقوى، للأسف”. ويشير خطاب ومهيبي إلى أنّ “أغلبية قاطني أحياء برلين تشعر بامتعاض وسخط من مشاهد قتل وجرح وافتعال مشاكل وتهديد وفرض إتاوات واستغلال الناس لجني الأرباح، فالمخدرات المهربة والتي يجري ترويجها تدمر كثيرين، وتكفي نظرة إلى نزلاء السجون لتعرف أنّ المصيبة كبيرة بازدياد أعداد المعتقلين من أصول غير أوروبية”.
أحد الشبان الذين تحدثوا إلى “العربي الجديد” في التحقيق، يذهب إلى حد التفكير بـ”تغيير اسمي كاملاً، فقد عانيت بما فيه الكفاية بربطي بأسماء عصابة أرفض الانتماء إليها، دينياً وأخلاقياً، فهي ضدّ كلّ مبادئنا، وأشعر بخجل للتسليط الإعلامي والسياسي الذي يساهم في زيادة شعبية ألتراننيف (البديل لأجل ألمانيا) وغيره من قوى التشدد”.
تحدث آخرون من برلين عن مظاهر كثيرة مؤذية: “بعد 5 سنوات بالكاد نستطيع تأمين قوتنا، ولا أفهم كيف يركب شبان أكبر بقليل من أولادي سيارات بورش ومرسيدس باهظة؟ ولو كنت ألمانياً لن أستطيع، بالتأكيد، التمييز بين لاجئ جديد وقديم، فهؤلاء بممارساتهم، وليس فقط بمعارك الأيام الأخيرة، بل بالممارسات اليومية أمام الألمان والجدد في المدينة، يقدمون أسوأ صورة، وأنا مع التشدد الأمني معهم”، بحسب ما يذكر اللاجئ من سورية، أبو سيف، الذي يقيم مع أسرته في حي نيوكولن.
ذلك القلق دفع أيضاً ببطل الملاكمة الألماني، من أصل سوري- لبناني، محمود الشعار، المعروف باسم مانويل شار، إلى إطلاق نداء يوم الأربعاء 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بالعربية والإنكليزية لطرفي القتال الذي وصل حد إطلاق النار (بين عرب وشيشانيين) للتوقف عن ذلك خشية استغلاله سياسياً.
وسط هذا السجال والأعمال العنفية، صدر كتاب سيرة ذاتية لواحد من أشهر رجال “عشيرة الزين”، محمود الزين، من خلال الصحافي الألماني المتخصص في العشائر، توماس هايس، وذلك باعتبار الزين “عراب برلين” وفقاً لما تطلق عليه الصحافة، وهو الرجل الذي عاش 18 عاماً كطالب لجوء مرفوض، بعدما فقد إقامته التي استمرت منذ 1982. ويعرّف عنه على أنّه “زعيم مليشيات خاصة به سابقاً” أثناء الحرب الأهلية في لبنان. وبالرغم من أنّه كان يعيش على المساعدات الاجتماعية، فقد عاش حياة رفاهية وثراء فاحشين. ولم تتمكن ألمانيا من ترحيله إلى لبنان، بالرغم من كلّ تلك السنوات التي رفض فيها لجوؤه، وعاش منذ سنوات طويلة مع 9 من أطفاله في برلين، واعتبر دائماً أحد زعماء عالم العصابات.