جرائم القتل إلى تزايد في السويد مقارنة بدول الجوار
جرائم القتل إلى تزايد في السويد مقارنة بدول الجوار
عشرات جرائم القتل سُجّلت في السويد في عام 2020، الأمر الذي دعا السلطات فيها إلى القلق، في حين أنّ مثل ذلك الرقم يُعَدّ متواضعاً جداً في بلدان كثيرة حول العالم. لكنّ الأمر في هذا المجال مختلف في البلدان الاسكندنافية.
حصيلة ثقيلة تشير إليها الأرقام الرسمية السويدية في ما يتعلّق بعدد جرائم القتل التي شهدتها في عام 2020، مقارنة بدول الجوار. وقد توزّعت أكثر من 124 جريمة قتل على أراضي السويد كافة لتثير قلق السلطات الرسمية المسؤولة عن الوقاية من الجرائم. وهذا الرقم الذي تشير إليه وكالة الإحصاء السويدية الرسمية يبيّن أنّ معدل جرائم القتل في البلاد يتجاوز ضعفَي مثيلاتها في الجارتَين النرويج والدنمارك. وفي حين أنّ السلاح الناري وذلك الأبيض هما المستخدمان في معظم الجرائم، منذ سنوات، شهدت مدن السويد، لا سيّما في الجنوب الغربي من البلاد، عمليات اقتتال بين عصابات راح ضحيتها أبرياء لا علاقة لهم بمطلقي النار أو المستهدفين. ومن بين هؤلاء أطفال عابرون، كما حدث في أغسطس/ آب الماضي، مع طفل يبلغ 12 عاماً إلى جنوب العاصمة استوكهولم، وقبله أطفال ونساء في غوتيبورغ ومالمو (جنوب).
بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السويدية قبل أيام، في 30 مارس/ آذار المنصرم، عن مصلحة الوقاية من الجرائم، فإنّ “السويد لم تشهد مثل هذا التضخم في الأرقام في خلال العقد الأخير”. وما يلفت في تقارير رسمية في استوكهولم أنّ 90 في المائة من ضحايا جرائم القتل يبلغون من العمر 18 عاماً أو أكبر ببضعة أعوام في حين أنّ حالتَين هما دون 18 عاماً، علماً أنّ من بين الضحايا 23 أنثى و89 ذكراً.
وفي حين تُقارن أعداد جرائم المسجّلة بالسويد وتلك المسجّلة بالجارتَين النرويج والدنمارك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عدد سكان السويد (نحو 10.50 ملايين) يساوي تقريباً ضعفَي عدد سكان النرويج (نحو 5.40 ملايين نسمة) وكذلك الدنمارك (نحو 5.80 ملايين نسمة). وبحسب تقرير رسمي تفصيلي صادر عن الشرطة الوطنية في النرويج، فإنّ عدد جرائم القتل في العام الفائت وصلت إلى 31 جريمة، مع الأخذ بعين الاعتبار كذلك اختلاف الدوافع والأسباب. يُذكر أنّ دوافع الجرائم بين الدنمارك والسويد تتشابه أكثر في ما بينها مقارنة بالنرويج.
ففي النرويج، عمليات إطلاق النار المفضية إلى قتل لم تتجاوز الاثنتَين، فيما كان إطلاق النار سبباً في مقتل 48 شخصاً في السويد. وكانت جريمة قتل الطفل (12 عاماً) في صيف العام الماضي أمام محطة وقود إلى جنوب استوكهولم، قد أثارت غضبا في الشارع السويدي وكانت مطالب بتشديد محاربة الجريمة المنظمة وانتشار السلاح بين المواطنين، خصوصاً في أيدي شباب ينتمون إلى تكتلات أشبه بعصابات تتقاتل على نفوذ في أسواق الممنوعات. ولا تقتصر الجرائم على استخدام الرصاص، ففي ضواحي المدن السويدية، خصوصاً في الجنوب الغربي والوسط، تتعرّض مجمّعات سكنية إلى هجمات بقنابل محلية الصنع، وتعاني الشرطة من الوصول إلى زارعي المتفجرات في القرب من مدارس ومتاجر ومناطق سكنية. ولعلّ آخر تلك التفجيرات وقع فجر الثلاثاء 23 مارس/ آذار المنصرم، وأدّى إلى أضرار كبيرة في 40 شقة سكنية بالإضافة إلى تحطم زجاج ومحتويات 60 شقة أخرى، وذلك في هوغانيس بمنطقة سكونا جنوب وسط البلاد. وقد تمّ إجلاء السكان بعدما لم تعد شققهم صالحة للسكن وتحتاج إلى ترميم. وقد أفادت صحيفة “أفتون بلاديت” السويدية في هذا الإطار، بأنّ الشرطة لم تصل إلى أدلة تشير إلى الفاعلين، على الرغم من التخمينات الصحافية التي استندت إلى تفجيرات وقعت في العام الماضي لها علاقة باقتتال بين عصابات متنافسة. وتشير وسائل الإعلام السويدية، في العادة، وسط تذمّر من قبل مواطنين وانتقادات لاذعة من معسكر اليمين المتشدد، إلى أنّ شوارع السويد باتت مفتوحة أمام حرب إجرامية تتخذ طابعا عشائريا وعصاباتيا، بحسب ما لفتت صحف محلية واسكندنافية مجاورة، خصوصاً في كوبنهاغن القريبة من مكان الحدث في الجنوب السويدي. أمّا التقارير الأمنية المتخصصة في مراقبة منحنى الجرائم فتفيد بأنّ جرائم العصابات تنتقل من سيّئ إلى أسوأ. وتلك الإحصاءات الثقيلة، سواء لناحية أعداد القتلى أو أعداد حالات إطلاق النار والتفجيرات، تدفع المجتمع السويدي إلى مناقشة مختلفة وغير حذرة حول سياسات الهجرة والدمج، علماً أنّه ظلّ يتردّد في ربطها بالجرائم المتصاعدة في خلال العقود الماضية.
وتحتل ضاحية روسنغورد في مدينة مالمو عناوين الصحافة واهتمامات الخبراء إذ تُعَدّ من المناطق الأكثر عرضة للخطر، على خلفية انتشار حرب العصابات فيها والتي أدّت إلى مقتل مراهق يبلغ من العمر 15 عاماً في الخريف الماضي. وعلى الرغم من أنّ الشرطة نشطت للحدّ من الجرائم واستعانت بزيادة كاميرات المراقبة، فإنّ النشاط الإجرامي بات ينتقل إلى أماكن أخرى، من بينها ضواحي العاصمة استوكهولم. ولا يبدو أنّ أزمة كورونا في السويد أثّرت على نسب الجرائم في عام 2020، وقد راحت وسائل إعلام محلية تركز أكثر على عالم الجريمة المنظمة وتسلّط الضوء على شبكات إجرامية عائلية تسيطر على الضواحي أو البلدات الصغيرة، فيما ذهبت أخرى إلى ربطها بما يجري من جرائم في ألمانيا التي تشهد على الدوام مشاحنات واقتتال بين عصابات كانت “العربي الجديد” قد أشارت إليها في تقارير سابقة، مع تفاقم “حرب العشائر” التي يتداخل فيها العربي بالكردي وبالشيشاني (الروسي) في كبريات مدن ألمانيا خصوصاً في العاصمة برلين.
ويعبّر العاملون في الحقلَين الاجتماعي والتربوي في ضواحي المدن السويدية عن قلق إزاء محاولات تجنيد الأطفال حتى الذين لم يبلغوا بعد عامهم التاسع في عصابات الاتجار بالمخدرات والوشاية عن منافسين، وإزاء التغلغل في خدمات التوظيف وأنظمة الضمان الاجتماعي للحصول على أموال أو تصاريح، بحسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة “أفتن بوستن” النرويجية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وإذا كانت الجرائم التي أودت بحياة 124 شخصاً في خلال 12 شهراً (عام 2020) قد تنوّعت فيها الأدوات، فإنّ العاصمة السويدية استوكهولم شهدت عدداً قياسياً من حوادث إطلاق النار، وقد حدّدتها “أفتون بلاديت” بـ 676 حادثة ارتكبتها العصابات، عدد منها كنوع من التهديد والاستعراض ومحاولة قتل. وتشكو السلطات على الدوام من غياب الجرأة لدى الشهود للإدلاء بشهاداتهم بهدف الوصول إلى الجناة.
تجدر الإشارة إلى أنّ التردد لم يعد سيّد الموقف في التصريحات السويدية، فقد ذهب رئيس الشرطة السويدية ماتس لوفينغ، في نهاية العام الماضي، إلى الاعتراف بأنّ بلاده تضمّ “ما لا يقل عن 40 شبكة إجرامية عائلية، وبعض تلك العائلات حضرت خصيصاً إلى البلد لممارسة الجريمة المنظمة والتربّح من خلال الاحتيال على أموال الدولة على شكل مساعدات (إعانات شهرية)”، وفقاً لما نقلته صحف “أفتون بلاديت” و”إكسبرسن” السويديتين و”أفتن بوستن” النرويجية.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من نفي رئيس الوزراء ستيفان لوفين (يسار وسط/ اجتماعي ديمقراطي) وجود أيّ رابط ما بين سياسة الهجرة وبين تزايد جرائم القتل، فإنّ أحزابا في يمين الوسط كالمسيحي الديمقراطي، وفي أقصى اليمين المتشدد كحزب ديمقراطيو السويد، لا تتردّد في اللعب على وتر ربط ذلك التزايد بسياسة الهجرة واللجوء. واللافت في جرائم القتل، بحسب الصحافة المحلية، أنّ المرتكبين والضحايا هم بمعظمهم من أصول مهاجرة. أمّا رئيسة قسم الاستخبارات في الشرطة الوطنية السويدية ليندا ستاف، فقد رأت في تصريحات أدلت بها في خريف العام الماضي، أنّ الأمن السويدي “لا يواجه فقط العشائر الإجرامية، بل شبكات فضفاضة انتشرت بين الفتيان الصغار، وهي مشكلة كبيرة”. وأكّدت ستاف، وفقا لتقرير أعدّته “أفتن بوستن”، أنّ “الجيل الثاني من المهاجرين هم في أغلب الأحيان يتبنّون أشخاصاً جلبوا معهم ثقافة العشيرة التي باتت رائدة في عالم الجريمة في السويد”.
وفي سياق متصل، يتزايد شعور السويديين بعدم الأمان، وفقاً لنتائج دراسة أعدّها مركز الوقاية من الجرائم شملت 74 ألف مستطلع سويدي في عام 2020. وقد عبّر 47 في المائة من هؤلاء عن قلقهم من زيادة الجريمة في المجتمع، وهي نسبة قلق زادت عن السنة التي سبقت بنحو أربعة في المائة (43 في المائة في عام 2019) وهي النسبة الأعلى منذ عام 2006. وأقرّ 19 في المائة منهم بأنّهم تعرّضوا في مرحلة ما لسرقة تحت تهديد السلاح، علماً أنّ النسبة لم تتجاوز 11 في المائة في عام 2017. وعن القلق من الجرائم في صفوف الناشئة والشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 عاماً و19، فقد ارتفعت نسبة القلقين من 22 في المائة إلى 32.
ناصر السهلي – العربي الجديد