السويد

يوسف أسمر: بطل سوري في السويد بمواصفات عالمية

الدنمارك بالعربي – السويد- تقرير خاص :يوسف أسمر شاب أربعيني سوري الأصل، سويدي الجنسية، لمع اسمه عالياً بين أبرز نجوم الرياضة كبطل دولي في لعبة كمال الأجسام، إثر حصده المتكرر للبطولات والذهب وحلوله ضيفاً دائماً على أعرق منصات التتويج المحلية والعربية والإقليمية والأوروبية.

كما يعد يوسف، مثالاً يحتذى للقادمين الجدد بأوروبا، في إطار القدرة على الاندماج وإثبات الذات داخل المجتمع المضيف، من خلال إصراره واجتهاده وحسن تدبيره وإيمانه المطلق بحظوظه وقدراته في مواجهة المتغيرات وقسوة الظروف، التي اعترضت مشوار حياته المتخم بالإنجازات، مقدماً نموذجاً متكاملاً للنجاح، ليس على الصعيد الرياضي فقط وإنما كذلك على الصعيد العائلي، كزوج وأب لطفلين (محمد ومريم) والصعيد المهني كمدير مشروعات بشركة سويدية كبرى.


يتحدث “أسمر” بإيجاز عن بداياته المبكرة مع الرياضة في سورية، ذاكراً أبرز إنجازاته خلالها، قائلاً: “طالما كنت مهووساً بالرياضة والمنافسة منذ نعومة أظفاري، حيث شاركت في بطولة سوريا لكمال الأجسام للشباب تحت 24 سنة، أول مرة، بسن الـ 19 فقط. كما أحرزت بين 24 و27 من عمري، عديد البطولات المحلية والدولية، مثل: بطولة الجمهورية السورية لكمال الأجسام ثلاث مرات، أعوام (2004، 2005، 2007)، المركز الثاني في بطولة سوريا للقوة البدنية سنة 2006، المركز الثاني في بطولة البحر الأبيض المتوسط لكمال الأجسام المقامة بسوريا سنة 2007، إلى جانب المشاركة مع المنتخب السوري في البطولة العربية لكمال الأجسام المقامة بسوريا سنة 2005 ونيلي عدة شهادات رياضية متخصصة في مجالي التدريب والتحكيم”.

أما عن أسباب قطع مسيرته الرياضية الناجحة في سوريا واتخاذه قراراً بالهجرة إلى السويد، فيقول: “نهاية سنة 2007، قبيل مشاركتي بأسبوعين تقريباً مع المنتخب السوري في بطولة العالم لكمال الأجسام، دار خلاف كبير بيني وبين اتحاد اللعبة، إزاء قيام بعض أعضاء إدارته بتعمد معاملتي وفق أساليب تتنافى مع أبسط المعايير الأخلاقية والرياضية والمهنية، منها محاولة إرغامي على تحمل كامل تكاليف تأشيرة سفري إلى مكان إقامة البطولة وإخضاعي لاختبار كشف المنشطات قبل موعد انطلاق المنافسة بثلاثة أشهر دون مبرر. في ذات الوقت، صادف أني حصلت على موافقة بمنحي تأشيرة سفر إلى السويد، كنت سعيت لاستصدارها سابقاً. هكذا، بعد تفكير مضني، قررت الهجرة وتجربة حظوظي في أوروبا، بعيداً عن أجواء الفساد الإداري، حيث لا سلطة تعلو فوق سلطة القانون”.

وبذكر أكبر التحديات والعراقيل التي واجهها لدى قدومه إلى السويد، يقول: “كانت بداياتي صعبة جداً على عكس ما قد يعتقد الكثيرون، فلا ننسى أن الحرب في سوريا لم تندلع إلا بعد قدومي إلى السويد بسنوات. لذا لم تعتبرني مصلحة الهجرة آنذاك لاجئاً يستحق الحماية مطلقاً ورفضت منحي تصريح إقامة أو سكناً أو أية مساعدات مالية.

هكذا وجدت نفسي منذ البداية، مرغماً على البحث عن منزل يأويني وعمل أغطي براتبه قيمة مصروفاتي الشهرية، إلا أن جهلي باللغة السويدية وافتقاري لتصريح الإقامة، جعلاني أقع فريسة سهلة لبعض أرباب العمل الانتهازيين، الذين استغلوا ظروفي وفرقوا في المعاملة بيني وبين بقية الموظفين، عن طريق بخس حقوقي القانونية وإعطائي مرتبات متدنية جداً. أما تصريح إقامتي الحالية، فلم يتسن لي الحصول عليه إلا سنة 2010، بمساعدة زوجتي سويدية الأصل”.

يتطرق “أسمر” إلى أهم المحطات المهنية التي مر بها في المهجر، قبل عودته للتألق مجدداً بالمحافل الرياضية، قائلاً: “عندما وصلت للسويد، فكرت في الاحتراف مباشرة برياضة كمال الأجسام، غير أن افتقاري إلى تصريح الإقامة والقدرات المالية اللازمة لبناء عضلات الجسم، حالا دون تحقيق ذلك، دعك من أن عائدات رياضة كمال الأجسام، لن تكون قادرة وحدها على تلبية احتياجاتي المادية.

لذا عكفت فوراً على تعلم اللغة وحدي دون الالتحاق بأية مدرسة، كما أتيحت لي فرصة ممارستها مدة ثلاثة أشهر كاملة، من خلال العمل في مجال البناء والتشييد مع أحد أصدقائي.

بعد هجرتي بعشرة أشهر فقط، تسنى لي الحصول على وظيفة أفضل، كمساعد سائق سيارة نقل في إحدى المخازن. سنة 2009، لاحظ مدير الشركة مدى إجادتي للغة، فاقترح علي ترك مهنة القيادة والعمل معه كمساعد معلم بمدرسة ابتدائية خاصة يملكها، لأعين بعض الطلبة العرب حديثي الوفود على فهم دروس اللغة السويدية والإشراف على بقية الأطفال أثناء وقت الفراغ، عقب انتهاء ساعات الدوام الرسمي.

كنت أدرك جيداً أن جميع تلك الوظائف مؤقتة، إلا أني جعلت منها سلماً أرتقي درجاته في سبيل الوصول إلى غايتي وإرضاء طموحي.

بمرور الأيام، استنتجت أن الدراسة المهنية، هي الطريق الأمثل لإيجاد وظائف جيدة. ما جعلني أخضع إلى دورتين تدريبيتين في تركيب السقالات، استغرقتا مني 4 سنوات متتالية، عملت على إثرهما لصالح إحدى الشركات المحلية، مدة عامين ونصف العام تقريباً، ترقيت خلالها إلى منصب مشرف عمال. ثم تركت الوظيفة لاحقاً بسبب رفض مديري زيادة راتبي إسوة ببقية الموظفين السويديين.

رفضت الاستسلام لليأس وتابعت البحث والدراسة في آن معاً، لأنجح بنيل شهادة إتمام دورة تدريبية أخرى تؤهلني للعمل كحارس أمن.

مضى الأمر على هذا المنوال، حتى حالفني التوفيق أخيراً وتمكنت بمساعدة صديق لي كذلك، من إيجاد وظيفة مناسبة في واحدة من كبرى شركات البناء السويدية، التي تختص بصيانة إمدادات المياه والصرف الصحي، وفق أساليب تكنولوجية حديثة لم يسبق استخدامها داخل أوروبا.

لقد انقضى على وجودي ضمن طاقم الشركة اليوم، 6 سنوات ونصف السنة تقريباً، كما أشغل بها حالياً، منصب مدير المشروعات”.

يعدد “أسمر” إنجازاته في السويد منذ عودته إلى مضمار رياضة كمال الأجسام، قائلاً: “بعد الاستقرار المادي والنفسي اللذان أحرزتهما خلال السنوات المنصرمة، تسنى لي دخول مضمار المنافسات الرياضية في لعبة كمال الأجسام مجدداً، حيث استطعت احتلال المركز الثاني في بطولة (لوسيا بوكالين) المحلية سنة 2014. سوى أني تعرضت لإصابتين متتاليتين، حرمتاني كلياً من المشاركة في أية بطولات سنة 2015.

سنة 2016، خضعت إلى إعادة تأهيل مكثفة، في محاولة مني للعودة بسرعة، لأحقق على إثرها المركز الثالث في بطولة (لوسيا فيستيڤال) المحلية بنفس العام، ثم المركز الخامس في بطولة السويد أو (سڤينسك ماستاري) سنة 2018.

بحلول سنة 2019، كنت قد بلغت ذروة عطائي، محققًاً فيها إنجازاتي الأبرز على مدى مسيرتي الرياضية، محلياً ودولياً، كما يلي: الترتيب الثاني في بطولة السويد أو (سڤينسك ماستاري)، الترتيب الأول في بطولة (سويدن جراند بري) الدولية المقامة بمدينة مالمو، الترتيب الخامس في بطولة أوروبا المقامة بإسبانيا، انتخابي كعضو في اتحاد كمال الأجسام السويدي ووضع صورتي على الملصق الترويجي الرسمي لبطولة السويد 2020، كما عرض الاتحاد على استصدار بطاقة رياضي محترف باسمي”.

ولدى السؤال عن طموحاته المستقبلية كلاعب كمال أجسام، أجاب: “أخطط حالياً لزيادة وزني، استعداداً للمشاركة في بطولة أرنولد كلاسيك القادمة، كما أتجهز لتمثيل السويد في بطولة أوروبا، أملاً في إحراز مركز متقدم يؤهلني للترشح إلى بطولة العالم، عقب انتهاء أزمة كورونا وعودة استئناف المنافسات الرياضية”.

ويكشف “أسمر” لنا بعضاً من خططه للاستمرار في مجال الرياضة بعد الاعتزال، قائلاً: “على أي رياضي محترف، أن يضع خططاً بديلة له قبل حلول لحظة اعتزاله. من هنا، حرصت على المشاركة في دورتين للتحكيم، عامي 2017 و2018. أدرت خلالهما عدة بطولات محلية ضمن خطة تدريبي”.

في الختام، يحرص “أسمر”، من واقع خبرته الطويلة، تقديم بعض النصائح للوافدين الجدد في السويد، التي قد تساعدهم بدورهم على الاندماج وتحقيق النجاح المهني المنشود، قائلاً: “أوصي إخواني من الوافدين الجدد، أن يتبعوا القوانين ويلتزموا حسن الخلق، فالمثل الشعبي يقول: “يا غريب خليك أديب”، كما أنصحهم السعي الحثيث للبحث عن الوظائف وفق احتياجات سوق العمل السويدي أولاً وعدم رفض مجالات العمل المتوفرة، بدعوى أنها لا تتفق مع أهوائهم أو خبراتهم وتخصصاتهم السابقة، لأن العمل وحده من سيفتح لصاحبه أبواب فرص عمل جديدة أفضل، يلبي بها طموحاته ويثبت وجوده”.

 

الصفحة الشخصية لبطل كمال الأجسام “يوسف أسمر” على فيسبوك أضغط هنا 

 تقرير: عمر سويدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى