منذ مئات السنين ، انتشرت في مرتفعات اسكتلندا وأيرلندا نوع من المساكن يُطلق
عليها اسم “المنازل السوداء” ، وكانت عبارة عن بنايات ضيقة وطويلة ، وغالباً ما
تكون في وضع توازي مع البيوت السوداء الأخرى ، وتميزت هذه المنازل بالجدران
الحجرية الجافة والأسقف المصنوعة من القش الذي تحول إلى اللون الأسود بفعل
الأتربة ، وخروج الدخان من النار المضاءة في جميع الأوقات في
وسط المطبخ ومكان المعيشة ، وكان الوضع شنيع حيث لم تكن المنازل تحتوي
على مداخن وكانت النوافذ بها صغيرة جدًا تؤدي إلى تراكم الدخان الخانق بالداخل ،
فيتسرب الدخان خلال السقف المسامي ، مما ساهم في سواد لون القش .
الحياة في المنازل السوداء
كانت بعض مزايا الدخان تتمثل في قتل الحشرات التي تعيش في السقف ، كما
اعتبر القش المدخن سمادًا ممتازًا ، لذلك كان يتم تجريد السقف كل عام ، واستخدام
هذا القش الأسود لتخصيب الحقول ، ثم يتم تجديد السقف بقش جديد ليستخدم
كسماد في العام التالي .
ولم يكن الدخان هو الشيء الوحيد الذي عاش له سكان تلك المنازل ، فقد تشاركوا مساحة المعيشة مع الحيوانات ، حيث عاش الناس في أحد طرفي المنزل وسكنت الحيوانات في الطرف الآخر مع وجود فاصل بينها ، في حين اشترك كل من الحيوانات والبشر في الدخول و الخروج من نفس الباب ، وكانت الأرضية عادةً من التراب ، على الأقل على الجانب الذي يسكنه الحيوانات ، وكان هناك نظام صرف لبعض فضلات الحيوانات ، وقد استخدم جزء من البيت الأسود أيضا كحظيرة لتخزين ومعالجة الحبوب والمنتجات الأخرى .
سبب تسمية المنازل السوداء
لم يتم تسمية المنازل السوداء بسبب غرفها المليئة بالدخان والأسقف السوداء كما قد يبدو الأمر ، ولكن لأنها قورنت بالمنازل الجديدة التي تم بناؤها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، فقد تم بناء المنازل الجديدة بالحجارة وملاط الجير بدلاً من الحجر والطين ، والتي أبرزت مثل هذا التباين حتى بدأ الناس يطلقون عليها “البيوت البيضاء” ، ثم ظهر مصطلح “البيت الأسود” للإشارة للمنازل القديمة ، وتم بناء “البيوت البيضاء” الجديدة كنتيجة للوائح صحية أكثر صرامة أوجبت فصل معيشة البشر عن حيواناتهم ومواشيهم .
ومن المذهل أن بعض هذه المنازل السوداء ظلت مسكونة حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين ، بينما احتوت بعض الأبنية في وقت لاحق على مواقد ومداخن .
المنازل السوداء حاليا
وتعد أحد أفضل الأماكن لمشاهدة البيوت السوداء في جزيرة لويس ، في قرية Gearrannan ، حيث توجد العديد من المنازل السوداء المحفوظة بالإضافة إلى متحف ، وفي قرية أرنول أيضاً هناك أنقاض من البيوت السوداء في كل مكان ، وقليل منهم لا يزال مسقوف ، وقد تم الحفاظ على أحد المنازل السوداء بعناية منذ أن تركه سكانه في ستينيات القرن العشرين ، والذي تحول إلى متحف ، ويعطي المبنى ، المجهز بأدوات داخلية ، انطباعًا جيدًا عما كانت تبدو الحياة قديماً في البيت الأسود .