(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
من المسيحية للإلحاد
وُلد الإمام عبد الواحد في راينو أرليد بيدرسن بالدنمارك. وكان يعتنق المسيحية في أثناء نشأته، وغالباً ما كان يقرع في طفولته أجراس الكنيسة، حيث كان يخدم جده الذي كان رجل دين. ومع تقدمه في العمر، بدأ التشكيك في ممارسات الدين المسيحي. وتنقّل من مرحلة لأخرى، أحياناً لدرجة الاعتقاد بعدم وجود إله على الإطلاق، وأحياناً أخرى بالمساواة بين الطبيعة والإله، أو حتى الاعتقاد بأنَّه قد يكون المتحكم الوحيد في مصيره. ومع بلوغه سن الـ16، انطلق عبد الواحد في رحلةٍ لاكتشاف الشيء الذي يريد الإيمان به. وفي بداية العشرينات من عمره، أخذته رحلته البحثية حول العالم، لإفريقيا، وللشرق الأوسط، انتهاءً بالهند حيث ابتاع تذكرة ذهاب بلا عودة، واستقر بها عامين ونصف العام قبل أن يتحول للهندوسية. ونبذ جميع ممتلكاته المادية من أجل حياةٍ زاهدة بسيطة بملابس خاطها بنفسه وأموالٍ يسيرة. وعاد إلى موطنه في أوروبا حافي القدمين. وعاد إلى شغفه الأول؛ العمل بصناعة الموسيقى، وقضى أيامه محاولاً تحقيق أقصى استفادة من حياته بأن يصبح مغني روك يحيا في منزلٍ جماعي. وتراجعت أهمية الدين لديه، وأصبح يصلي على فتراتٍ متقطعة. إلى أن جاء ذلك اليوم في الحديقة، فيما بدا له وكأن البرق قد أصابه، فقد بدأ يشعر فجأة بأنَّه يؤمن بوجود إله واحد، وليست تلك الآلهة المختلفة التي اعتاد الصلاة لها. ومن ثم، نبذ الهندوسية بعد انجذابه لمفهوم التوحيد. ولم يشعر بالاستقرار إلا بعد اعتناقه الإسلام، وكان هذا هو الأمر الذي روى تعطشه لشيءٍ ما أكبر روحياً.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
كيف تحول للإسلام؟
يقول تقرير “هاف بوست”: “لم يفهم بيدرسن بشكلٍ كليّ ما القوة التي كانت تناديه. كان يعلم أنه قد آمن بالله، وأن هناك إلهاً واحداً، ولكنّ مفهوم الإسلام نفسه لم يزل أمامه بعض الوقت حتى يتردد صداه كاملاً في نفسه”.
وفي مايو/أيار عام 1982، وفي عمر الـ28، ذهب عبد الواحد لزيارة بعض أصدقائه القدامى في كوبنهاغن. وكان ثلاثتهم يعيشون معاً بشقةٍ صغيرة، وتحولوا جميعاً للإسلام بعد المرة الأخيرة التي قابلهم فيها.
وفي صباح أحد الأيام، استيقظ على مشهد أصدقائه يصلّون الصلاة الأولى من صلواتهم الخمس اليومية؛ ما جعله يدرك فجأة أنَّ هؤلاء الرجال، عكسه، على صلةٍ قوية بالله لدرجة إيلائه انتباههم الكامل.
ولشعوره بالخجل الشديد، ولتأثره بالتجربة كذلك، بدأ نقاشاً مع رفاقه حول معتقداتهم، وما يعنيه أن يكون المرء مسلماً. وبذلك، بدأ توضيح معتقداته الخاصة لرفاقه، والذين بدورهم أجابوه بأن معتقداته تتسق مع المعتقدات الإسلامية، ومن ثم، فهو مسلمٌ بالأساس. وعند سماعه الشهادة، وافق عبد الواحد من دون تردد، واعتبر نفسه مسلماً منذ ذلك الحين.
من مغني روك إلى إمام
اليوم، يعمل عبد الواحد بيدرسن، البالغ من العمر 63 عاماً، داعيةً بالمركز الإسلامي الدنماركي، الذي ساعد في تأسيسه وعمِل فيه إماماً منذ عام 1997. وكان المركز، حين التقيتُ عبد الواحد، المسجد الوحيد بالبلاد الذي يخطُب في الدنماركيين.
ويقول عبد الواحد إنَّ قرار إقامة الصلاة باللغة الأم نبع جزئياً من تفكك المجتمع الدنماركي المسلم.
وشرح قائلاً: “يتألف المسلمون في الدنمارك عموماً من المهاجرين. وكثيرٌ منهم يحاولون التمسك بتقاليد أوطانهم. لقد أصبح الباكستانيون أكثر باكستانية، والمغربيون أكثر مغاربية، والأتراك أكثر تركية”.
لذا صار عبد الواحد جسراً يُوحِّد مجتمعاً مسلماً متنوعاً ومنعزلاً بعضه عن بعض إلى حدٍ ما في الدنمارك.
ويضيف: “لاحظنا أننا أمام مشكلة؛ لأن المتحولين إلى الإسلام والمسلمين المهاجرين مثل الباكستانيين والعرب والصوماليين، كلهم يتحدثون بلغاتٍ مختلفة”.
ولسوء الحظ، لا يشاركه الجميع الرأي بأن المرء يمكن أن يجمع بين كونه مسلماً ودنماركياً، وبالأخص خارج مجتمعه؛ إذ إنَّه ليس من السهل أن تكون مسلماً في بلدٍ أشعل فيه نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد احتجاجاتٍ غاضبة في أنحاء العالم، حتى بالنسبة لـ”الشخص العادي البسيط في الدنمارك” .
لقد شهد المجتمع الأوروبي تغيراتٍ منذ أيام إسلامه الأولى. وصارع عبد الواحد من أجل إقناع غير المسلمين بأنَّ اعتناق الإسلام ليس تخلياً عن جذوره الدنماركية.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
كيف يجمع بين الإسلام وثقافة الفايكينغ؟
ويشعر عبد الواحد، بصفته دنماركياً، بأنَّه على اتصال بجذور ثقافة الفايكينغ، التي ما زالت واضحةً في الدنمارك الحديثة، وتشكِّل جزءاً كبيراً من صناعة السياحة بالبلاد. لذا يفعل ما بوسعه ليوازن بين الهويَّتين، مستعرضاً بفخر على جدران مكتبه رسم خطٍ عربي لآيةٍ من القرآن يتخذ شكل سفينة فايكينغ.
يقول الإمام لمن يسألونه: “الإسلام ليس مختلفاً. ومن ثمَّ كوني مسلماً ودنماركياً هو بالنسبة لي مجرَّد إقامة شعائر الإسلام بأسلوب حياةٍ دنماركي”.
لكنَّه يواجه الأسئلة الحتمية النابعة من التحيِّز أو الارتباك حول عقيدته، مثل كثيرٍ من المسلمين في الغرب. ولأنَّه إمام، يتوجه إليه كثير من الناطقين بالدنماركية طلباً للإرشاد والتوضيح لأمور الإسلام، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والهاتف، والبريد، ووجهاً لوجه. وبعضهم يسأل: “هل من المسموح مشاهدة التلفاز في الإسلام؟”.
ويقول إن مثل هذه المفاهيم الخاطئة بالأساس تؤدي بالمسلمين وغيرهم إلى اللجوء إلى شبكة الإنترنت، حيث ينتهي بهم المطاف على الأغلب إلى كميةٍ مفرطة من المعلومات المفتقرة إلى الجوهر، أو غير الدقيقة، أو التصورات المشوَّهة الخطيرة عن الدين.
وما يزيد الأمور سوءاً هو معاناة المسلمين المهاجرين إلى الدنمارك في سبيل الحصول على معلوماتٍ تمكنهم من استيعاب المجتمع الدنماركي والتفاعل معه. ويقول عبد الواحد إنَّ نقص المدارس الداخلية لتدريب الأئمة يؤدي إلى الاعتماد على أئمة أجانب، يعرفون النصوص لكن ليس بإمكانهم وضع هذه المعرفة في سياقها. لذا يمر المسلمون هنا بوقتٍ صعب في محاولات فهم الشعب والثقافة بطريقةٍ تخفف من حدة أي توترات محتملة ناشئة عن المفاهيم المغلوطة حول عقيدتهم.
ووفقاً لعبد الواحد، هذا العجز عن التواصل مع الشعب الدنماركي يزداد عمقاً بفعل “التفكك” داخل المجتمع المسلم. ولا يقتصر أثر هذا على رؤية الدنماركيين للمجتمع المسلم على أنَّه “غير دنماركي”، وإنما يسهّل أيضاً على الحكومة معاملة المسلمين كـ”آخرين”.
ويقول عبد الواحد إنَّ بعض الإجراءات العامة التي نفذتها السلطات الدنماركية في الأعوام الماضية أدَّت بالمسلمين إلى الشعور بأنَّهم تحت الحصار. ومن ضمن هذه الإجراءات قوانينٌ استهدفت فيما يبدو جوانب من حياة المسلمين، مثل قرار إلزام المدارس العامة بإضافة لحم الخنزير إلى وجبات الغداء في إحدى المدن الدنماركية.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
ويقول عبد الواحد: “بالطبع، ما يعنيه هذا هو أنَّهم لا يريدون أن تصل الشريعة إلى شوارع الدنمارك”، مشيراً إلى الإجراءات التي تتخذها الحكومة الغربية استجابةً للتهديدات التي يمثَّلها الخُلق الإسلامي والشريعة من وجهة نظرهم.
وأضاف: “لكن عندما يفرضون الأمر هكذا، تصبح الأمور غريبة؛ لأن المسلم لا يكون مسلماً دون شريعة. كلنا نعيش وفقاً للشريعة بدرجة أو بأخرى حين نُسلم. ولا يعني هذا أن نفرضها على الآخرين، لكنَّنا أحرار بكل تأكيد في فرضها على أنفسنا: في مأكلنا وملبسنا وصلاتنا.. إلخ”.
لكنَّه لا يعتقد أن موقف المسلمين بالدنمارك قاتمٌ إلى هذا الحد، في ظل السياق الإسلامي العالمي الحالي. ويقول: “بشكلٍ عام، نحن نعيش في مجتمعٍ هادئ. ظنِّي أنَّ كل ما لدينا هو مشكلات تتعلق برفاهيات. أنا أسافر إلى أجزاء كثيرة من العالم حيث توجد مشاكل حقيقية”.
s
تلك المشاكل، على سطحيتها، تقود عبد الواحد إلى الإيمان بأنَّنا في “لحظة تاريخية فريدة” فيما يتعلق بالإسلام في أوروبا، خصوصاً لأنَّه ما زال ديناً جديداً نسبياً في المنطقة. بينما المسيحية تطوّرت في القارة قروناً عدة.
ويقول: “أؤمن بأن المسيحية حين دخلت أوروبا، كان أهلها يصرخون على المسيحيين بالصيحات نفسها التي يتلقاها المسلمون اليوم”.
ومتأملاً في طريق المسلمين للتقدم بالدنمارك، استعاد عبد الواحد تراث الفايكينغ، الذي تعرِّفه المياه تماماً كما تعرِّفه لحظة التنوير التي هبطت عليه على ذلك الجبل في الهند قبل أعوامٍ طوال.
وشرح عبد الواحد في مؤتمرٍ للحوار بين الأديان بلندن قبل بضعة أعوام: “أنا من شعبٍ قديم من البحَّارة. أسلافي الفايكينغ عُرفوا بعبور المحيطات، والسفر، والطرق على الأبواب في كل مكان. وينبغي لمسلمي اليوم أن يصيروا بحارة جيدين؛ لأنَّ الرياح قادمة. ينبغي أن نتعلم الإبحار ضد التيار، وهو ليس أمراً سيئاً إلى هذا الحد؛ لأنَّك حين تُبحر بسفينتك الصغيرة وسط الرياح العاتية، حينها تصبح بحاراً ماهراً”.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});