الدنمارك: تمييز ضد أبناء المهاجرين في التوظيف يكبّد المجتمع خسائر اقتصادية
خلص بحث حول التمييز ضد أبناء المهاجرين في سوق العمل الدنماركي إلى نتيجة مفادها أن ذلك “يكلف المجتمع اقتصادياً”.
وبحسب ما ورد في نتائج هذا البحث الذي نشرت بعض مقتطفاته اليوم الاثنين، وأجرته الاقتصاديتان نابنيتا داتا غوبتا ولينا كرومان، فإن “الشباب المولودين في الدنمارك من آباء مهاجرين يعانون بعد التحصيل العلمي المهني من العثور على فرص تدريب، ويجدون صعوبة في العثور على وظيفة بعد التخرج أكثر من أشخاص وُلدوا لأبوين دنماركيين”.
تلك الصعوبات تؤدي وفقاً للباحثتين إلى “إهدار طاقات كثيرة لا تُستغل في سوق العمل، وهو ما يضرّ باقتصاد المجتمع والأفراد، الذين يجدون أيضاً صعوبة في كسر (ما يُسمى محلياً) السيطرة الاجتماعية (من الأسر المهاجرة بالأصل)”.
ويشير البحث إلى أنه رغم التشابه بين شخصين من نواحٍ كثيرة، من حيث تعليم الوالدين ودخلهم، إلا أنه ما يبدو “أمراً حيوياً في الاختلاف مكان ولادة الوالدين”.
ورغم أن كثيرين في الدنمارك من خلفيات لاجئة يجدون صعوبة لأسباب تتعلق بتأثيرات الصدمات والحروب، والحالة النفسية عموماً، لناحية الاندماج والتوفيق بين توقعات الأهل والمجتمع، بحسب بحث سابق أعده 3 من صحافيي يومية “إنفورماسيون” بعنوان “إعادة التربية”، إلا أن الباحثتين في الشأن الاقتصادي تجدان أن تلك المصاعب يعاني منها أيضاً مواليد الدنمارك من أصول مهاجرة.
فعلى الرغم من أن تلك الفئة (المهاجرة الأصل) وُلدت في أسر متميزة في الاندماج ولدى بعضها تعليم جيد، إلا أن الأبناء يواجهون مشكلة حقيقية مع حياتهم اليومية في بلدهم الذي ولدوا فيه (الدنمارك)، وفقاً لجوبتا وكرومان.
[sc name=”ads4″ ]واستطاعت الباحثتان الاقتصاديتان توثيق عوامل عديدة تؤدي دوراً في التمييز السلبي. فإلى جانب العوامل الثقافية، فإن الاسم والخلفية العرقية يؤديان دوراً في التمييز. واستعانت الباحثتان بدراسة أميركية سابقة، هي الأشهر في مجال البحوث الاقتصادية لناحية التمييز، أجراها عالما الاقتصاد في شيكاغو، ماريان برتراند وسينديل مولايناثان، اللذان أرسلا 5000 طلب عمل متطابق إلى الشركات.
نصف تلك الطلبات حمل أسماء أشخاص بيض مثل: إيملي والش وبريندان بيكر، والنصف الآخر حمل أسماء أميركية من أصل أفريقي مثل :لاكيشا واشنطن وجمال جونز، وأظهرت الدراسة أن أشخاص المجموعة الأولى هم الأكثر استدعاءً لمقابلة عمل، مقارنة بأسماء ذوي الأصل الأفريقي.
وعليه، قامت الباحثتان الدنماركيتان بذات التجربة في الدنمارك، وكانت النتيجة ذاتها تقريباً، بما يؤكد أن قضية التمييز ضد الأقليات العرقية موجود أيضاً في الدنمارك، وفقاً للباحثتين اللتين أكدتا لـ”إنفورماسيون” أنه “على ما يبدو يتعرض الرجال من الأقليات الإثنية لتمييز أكثر من نساء تلك الأقليات اللاتي لا يرتدين الحجاب بشكل خاص”.
وتشير النتائج بوضوح إلى أنه رغم أن الفئة النسوية من غير المحجّبات، إلا أنهن “يحتجن إلى إرسال طلبات بنسبة 18 في المائة أكثر من زميلاتهن دنماركيات الأصل للوصول إلى مقابلة توظيف، فيما المحجّبات يحتجن إلى إرسال طلبات تزيد بنسبة 60 في المائة على الدنماركيات من أجل مقابلة واحدة للتوظيف”.
رواتب أقل واستغلال أكثر
من الواضح أيضاً أن الأمر لا يقتصر على مصاعب التوظيف للمنحدرين من أصول مهاجرة، رغم تساوي المؤهلات مع نظرائهم من أصل دنماركي، بل يبدو أيضاً، وفقاً للباحثتين، أنه في حال حصول هؤلاء على وظيفة، فإنهم “في وضع تفاوض أسوأ حول الرواتب”، فأرباب العمل يعلمون جيداً صعوبة حصول من هم من أصول مهاجرة على وظيفة أخرى، وبالتالي يمارسون ابتزازاً وضغطاً على الرواتب والأجور، وللهروب من مثل هذه المشكلة في السويد ينتقل أبناء الأصول المهاجرة من مناطق جغرافية لديها مواقف سلبية من المهاجرين إلى أخرى أكثر إيجابية”، وهو غير متاح في الدنمارك.
في كل الأحوال، ما تستعرضه الباحثتان ليس أمراً خفياً، لا على مواليد الدنمارك من أصول مهاجرة، وخصوصاً من يحملون أسماءً تدل على الدين والإثنية، ولا على السياسيين، بل بعض يمين ويمين الوسط يساهم في رسم صورة نمطية منفرة ومهمشة ومشككة بمواطنة هؤلاء، كما يفعل على الدوام حزب “الشعب الدنماركي” اليميني المتشدد، وإلى حد ما حزب “فينسترا الليبرالي” (الذي حكم حتى 2019).
بالنسبة إلى التأثيرات الاقتصادية لممارسة التمييز وتهميش الخريجين من الأقليات، ترى الباحثتان أنهما “يؤثران باقتصاد المجتمع ويفقدانه موارد لأسباب عدة، فعدم توظيف أحفاد المهاجرين يعني أعباءً مالية على شكل إعانات بدل عمل، وهو ما يعني بشكل غير مباشر انخفاض في عائدات الضرائب، لو كانوا يعملون. وبالإضافة إلى ذلك كله، فإن البطالة بين هؤلاء يمكن أن تتحول إلى بطالة طويلة الأجل باستمرار دفعهم إلى قائمة انتظار الوظائف، وغالباً ما يواجه العاطلون من العمل على المدى الطويل صعوبة في العثور على وظيفة”.
التوثيق المستحدث، باستعارة بحث جامعة شيكاغو، يعتبر اليوم توثيقاً إضافياً إلى شكوى أبناء وأحفاد مهاجرين، بالأخص من أصول غير غربية، من التمييز في سوق العمل، بل في سنوات ماضية اشتكى بغرابة أصحاب مؤهلات وكفاءات تفضيل سوق العمل الدنماركي (بما فيه قطاع التمريض) لاستيراد يد عاملة من بولندا وغيرها بدل توظيف مواطنيها بسبب سياسة التمييز تلك.
كذلك تقدم الدراسة الجديدة أسباباً واضحة للكيفية التي يصبح فيها أبناء المهاجرين “الأفقر في الأجور مقارنة بغيرهم، وهو ما يعني بذات الوقت انخفاضاً في أموال ضرائب الدولة”، وفقاً للبحث.
ويظهر البحث، الذي ناقشته أستاذة كلية الاقتصاد في جامعة كوبنهاغن بيرث لارسن، أن أبناء المهاجرين عموماً يحققون نجاحاً أفضل في البلديات التي ينجح فيها أبناء أقليات مثلهم في سوق العمل “ووجدت بنفسي من خلال أبحاثي أن الأطفال من أصل مهاجر يلتحقون أكثر بالثانويات إذا كان والدوهم موظفين أو كانوا هم محاطين بأقليات من أوطانهم الأصلية ملتحقين في سوق العمل”، بحسب ما ذكرت لارسن اليوم الاثنين لإنفورماسيون.
آثار التهميش والتحيز على الأجيال
آثار تهميش جيل الشباب من أصول مهاجرة لا ترتبط فقط بالجيل الحالي وفقاً للباحثتين، بل يمتد أثره إلى الأجيال القادمة “وهذا له تأثير سلبي بمستوى التعليم لأجيال مناطق يرون غيرهم مهمشين بعد تخرجهم بسبب التمييز، ويصبح إقدامهم على التعليم الشبابي بدون محفزات، وبالتالي يؤثر ذلك سلباً بالاندماج الفاشل”.
ويقترح البحث كَسر الحلقة المفرغة “فلا يستطيع الشاب المهاجر كسرها وحده بوجود هذا التمييز المضر أصلاً بالاقتصاد، كما يضرّ بعملية الدمج وكسر السيطرة الاجتماعية بعدم الشعور بالاستقلال المالي”.
تخلص الباحثتان أيضاً إلى أن تحيزات الدنماركيين تعوق الفرص الفردية للشباب، وتؤدي إلى فقدان المجتمع لموارد كثيرة بفقدانه عمالة متحفزة، فالناس لا تختار أن تكون خارج سوق العمل والاندماج في المجتمع إذا أبدى المجتمع استعداداً لضمان المساواة في الوصول إلى الوظائف المؤهلين لها.