أخبار الدنماركالصحة

كورونا: جزر فارو أقل مناطق أوروبا تضرراً

كورونا: جزر فارو أقل مناطق أوروبا تضرراً

تعتبر جزر فارو، في المحيط الأطلسي، التي تتبع تاريخياً وسياسياً الدنمارك على الرغم من تمتعها بحكم ذاتي وعلم وطني، المكان الأقل تضرراً من جائحة كورونا، في القارة الأوروبية

منذ ربيع العام الماضي، بدأت الدنمارك وغيرها من دول شمال أوروبا سياسة الإغلاق الصارمة، بسبب فيروس كورونا الجديد، لكنّ الجارة الصغيرة جزر فارو أغلقت لنحو 5 أسابيع فقط في مارس/ آذار وإبريل/ نيسان 2020. ومنذ أعادت الفتح، لم تفرض أيّ إجراءات إغلاق، فيما مجموع من أصيبوا بكورونا حتى نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي كانوا ثلاثة فقط، ليضاف إليهم مؤخراً شخصان جرى تشخيص إصابتهما في فبراير/ شباط الماضي. وتمكنت السلطات الصحية من وقف اجتياح الموجتين الأولى والثانية، والثالثة حالياً، ما يتيح للسكان مواصلة حياتهم العادية من دون قيود شبيهة بتلك المفروضة في إسكندنافيا وبريطانيا (الأقرب إلى جزر فارو).

في جزر فارو تفتح المقاهي والمطاعم بشكل عادي، مع الاحتراز الطبيعي. وعلى الرغم من إقلاع المواطنين عن العناق، والذي هو تقليد إسكندنافي معروف حين يلتقي الأصحاب والأقارب، فإنّ المناسبات الرياضية والثقافية لم تتوقف أو تغلق الأبواب أمام الجماهير. ويسمح في فارو بتجمع 200 شخص في تلك الفعاليات وغيرها، وهو ما لم يكن مسموحاً على الإطلاق في دول الجوار. وبفضل سياسة الفحص الشاملة والمتواصلة، تمكنت الفارو من إجراء فحوص كلّ ثلاثة أيام لكثير من سكانها، خصوصاً أنّه شرط للمشاركة بفعاليات كبيرة، كما أنّ المسافرين الواصلين إلى مطار تورشفان، يتوجب عليهم حمل نتيجة سالبة لا تتعدّى 72 ساعة على موعد الوصول، وجرى تطبيق سياسة حجر صحي لمدة 6 أيام على الواصلين الجدد، مع فحصهم بعد ذلك ليتمكنوا من المشاركة في نشاطات المجتمع. في هذا الإطار، اعتبر ممثل الحكم المحلي في الجزر، باراورستيغ نيلسن، أنّ “الطريقة التي عالجت من خلالها السلطات المحلية انتشار الجائحة أدت إلى انخفاض معدل الإصابة” بحسب ما نقل عنه التلفزيون الدنماركي “دي آر” قبل أيام. ورأى نلسن أنّ “الاستراتيجية بنيت على الثقة والمسؤولية الشخصية، فلم نفرض قيوداً كما فعلت دول أخرى، بل عقدنا الرهان على التزام المواطنين بالتوصيات، وهذا لعب دوراً كبيراً في تعزيز الثقة بالإجراءات”.  
تعقب الإصابات الأولى كان له الدور الأكبر في محاصرة الوباء، فقد بذلت السلطات جهوداً سريعة لفحص جميع السكان “وهذا أحد أهم الأسباب التي جعلتنا نعيش حياة خالية من كورونا” وفقاً لنلسن. وركز الرجل على أنّ إجراء فحص شامل لجميع العاملين في مزارع أسماك السلمون سمح بمحاصرة أيّ احتمال للتفشي: “وصلنا بشكل سريع لأول إصابة لدى أحد الصيادين، فعزلناه حتى لا ينقل العدوى إلى قطاع الصيد والأسماك”. 

ومنذ الإغلاق الأول الذي استمر لفترة وجيزة بين مارس/ آذار وإبريل/ نيسان 2020 وصل عدد الإصابات طوال نحو عام إلى صفر إصابة، قبل الكشف عن إصابتين مؤخراً، جرى تتبعهما ومحاصرة العدوى. وبعدما أعيد فتح المجتمع في ربيع العام الماضي باتت المقاهي والمطاعم تستقبل زبائنها بشكل عادي، وافتتحت النوادي الليلية ودور السينما، بل زاد عدد مرتادي كلّ هذه النشاطات عما كان قبل الوباء، إذ يقف الناس في طوابير انتظاراً لطاولة فارغة في المطاعم. ولا يقتصر الاكتظاظ على المقاهي، فمراكز التسوق في الجزر تشهد ازدحاماً لا يشعر الناس بالعزلة التي يشعر بها نظراؤهم في الدول الإسكندنافية. وتعتبر السلطات المحلية أنّ رفضها التعامل بصرامة القوانين خلق نوعاً من المسؤولية الذاتية بين الناس ووعياً أكبر في فهم الفيروس وتجنب الإصابة به “وهو ما عزّز أكثر شعور الناس بالعدالة والمسؤولية تجاه إخوانهم البشر” بحسب نيلسن، الذي أكد أنّ صغر حجم المجتمع “غيّب الغش والمراوغة، فالناس يعرفون بعضهم، ويمكنهم أن يشيروا إلى من يحاول التحرر من التزاماته أمام مجتمعه الصغير”. وهو نهج معاكس لما يجري في البرّ الرئيسي، الدنمارك، حيث تتدخل الشرطة لفضّ تجمع أكثر من خمسة أشخاص، وتفرض غرامات مالية كبيرة على المخالفين.
جدير بالذكر أنّ جزر فارو (التابعة رسمياً للتاج الملكي الدنماركي) تضم نحو 50 ألف مواطن، بالإضافة إلى عشرات الآلاف ممن تركوا السكن الدائم فيها، ويعيشون في الدنمارك والنرويج. وتقع جزر فارو، المكونة من 18 جزيرة بركانية، في القسم الشمالي للمحيط الأطلسي، وإلى الشمال من المملكة المتحدة وبين الدنمارك والنرويج وأيسلندا. وأول من استوطن هذه الجزر كان الرهبان الأيرلنديون عام 625، وتوالى عليها مستوطنون من النرويج والدنمارك منذ عام 850. وتتركز أغلبية السكان في تورشفان، التي تعتبر العاصمة. ويرتبط مواطنوها بالأيسلنديين ولديهم لغتهم الخاصة، الفاروية، وهي من اللغات الشمالية القديمة، بالإضافة إلى أنّ اللغة الدنماركية لغة رسمية فيها، وإن كانت ليست اللغة اليومية المحكية بين السكان. وتمتلك فارو علمها الخاص المكون من الأبيض وصليب أحمر محاط بالأزرق. ويعتبر الوعل (معز بري) رمزها الوطني، إذ تُربّى الأغنام والمعز فيها بكثرة، بالإضافة إلى الصيد البحري، خصوصاً المحار والأسماك المقددة التي تعتبر أكلة وطنية إلى جانب الضأن. 

حصلت فارو على حكم ذاتي من الدنمارك عام 1948، ولديها برلمانها الصغير وهو من أقدم برلمانات العالم ويسمى “لاغتينغ”. كذلك، ينتخب سكانها عضوين في البرلمان الدنماركي. وتنقسم الجزر إلى 6 أقضية و29 بلدية في 17 جزيرة مأهولة من أصل 18 يتكون منها الأرخبيل.

 

كوبنهاغن
ناصر السهلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى