المرأة

سمع الرسول وعُمر رثـ.ـاءهـا وكانت أجمل وأشعر نساء العرب.. ما لاتعرفه عن الخنساء التي قدمت أولادها في سبيل الله وبكـ.ـت “صخراً” لسنوات

[sc name=”ads1-2″ ]

مدى بوست – فريق التحرير

إذا تأملنا العصور الماضية، وخاصة تاريخ العرب، نجد أن كل شخصٍ يلازم اسمه أهم الأمور في حياته ويعرف بها بين البشر.

ومثل ذلك مسيلمة الكـ.ـذاب الذي اشتهر بكـ.ـذبه، ومثله عمر بن الخطاب الذي عرف بعدله، وخالد بن الوليد الذي عرف بصفته قائداً، لكن لكل شخص صفات أخرى لا نعلمها عنه، وموضوعنا اليوم عن واحدة من أشهر سيدات العرب.

إن “الخنساء”، والتي اشتهرت في تاريخ العرب والتاريخ الإسلامي بوصفها أماً قدّمت أولادها في سبيل الله دون أن يرف لها جفن، ولهذه المرأة التي كانت شاعرة قصصاً عظيمة قبل الإسلام وبعده، نستعرضها معكم في السطور التالية.

سبب تسميتها بـ الخنساء

ولدت تماضر بنت عمرو بن الحارث السليمية في بادية الحجاز، وكان قومها يعتبرون بمثابة البدو في زمنهم، ويرجع نسبهم لقبائل مضر من قيس عيلان.

وكان لدى تماضر لما ولدت اثنين من الأخوة هما صخر وقيس، وكان والدها عمرو سيد قومه، ورجلاً معروف بين العرب وكان من رسل العرب إلى كسرى الفرس وغيره من الملوك.

سمّيت تماضر بـ”الخنساء” من قبل الإسلام، وكان ذلك بسبب قصر أنفها وارتفاع أرنبته، وقد كانت تلك من علامات الجمال وهذه الصفة موجودة في الظباء (الغزلان).

صورة تعبيرية لسيدة عربية

وكانت تماضر امرأة في غاية الجمال، وتضيف إلى ذلك السيادة وهي مقدمة في قومها، إذ كان والدها من الذين يفاخرون بأولادهم، وكان معطياً لابنته حرية كبيرة، وهي ما بدت واضحة في أحد أقوالها، إذ قالت:” نحن نساءٌ عند رجالنا رجالٌ عند غيرهم”، أي أنها أنثى عند زوجها وإذا غاب عنها كانت بين الرجال رجل.

لم تقبل بأسياد العرب .. وتزوجت ابن عمّها 

ويحكى أن أسياداً كثر من العرب خطبوها، منهم سيد بني بدر من غطفان وهو حذيفة بن بدر، رأى تماضر فخطبها من والدها، فسألها، فلم تقبل به، وكذلك خطبها الفارس العربي الشهير دريد ابن الصمة عندما رأها على الماء وأراد الزواج بها، وخطبها من أبوها فلم تقبل به.

وفضلاً عن جمالها المشهور في عصرها، وفصاحتها، ونسبها في قومها ومكانتها التي أعطاها والدها وأهلها، أدى عدم قبولها بالزواج من سادة معروفين بالعرب لزيادة شهرتها.

ولما خطبها دريد بن الصمة، قالت تماضر أن أولاد عمّها أولى بها، وأنها لن تتزوج إلا بأحد أبناء قومها من بني سليم، وقد كانت علاقتها مع إخوتها قوية، خاصة صخر الذي كانت تحبه حباً عظيماً وترى فيه سيد الأسياد، وقد يُعرف بعض محبتها عبر حديثنا عن بعض ما دار بينهما.

مرت الأيام، إلى أن جاء أحد أبناء عم تماضر ويدعى عبد العزى وتقدم لخطبتها، وقد كان رجلاً مقـ.ـامر وليس منضبط، لكنها قبلت به كونه من أبناء عمّها.

صورة تعبيرية لعرب يرتحلون في بادية الحجاز

بعد زواج تماضر حاولت أن تصلح حال زوجها وتعينه على الصلاح، لكن لم تتمكن من ذلك، إلى أن جاءها في يوم من الأيام، ونادى عليها، وقال لها أنه قـ.ـامر بأمواله كلها وأنه لم يبقى معه المال، وطلب منها أن تعينه.

فذهبت تماضر إلى أخوها صخر، وقالت له أن هذا ما حدث مع زوجي، وطلبت منه أن يقدم لها بعضاً مما يقدر عليه، فلم يجبها صخر، ونادى على الراعي الموجود لديه وطلب منه أن يجمع له كل المواشي التابعة له من إبل وغنم وغيره.

ثم قال للراعي، أن يجعل المواشي قسمين، وقال لتماضر اختاري القسم الذي ترغبين به، فقالت آخذ هذا القسم وذهبت به إلى زوجها وأعطته له.

مرت الأيام، ولأن زوجها كان مقـ.ـامراً، لم يبقى معه الرزق لمدة كبيرة، فما لبث أن صرفه وعاد لتماضر “الخنساء” وطلب منها مجدداً، فذهبت لأخوها صخر للمرة الثانية وطلبته، فأعطاها نصف ما يملكه للمرة الثانية وعادت به لزوجها.

ولما تكرر الأمر للمرة الثالثة مع زوجها، ذهبت الخنساء لأخوها صخر وطلبته فأعطاها النصف مجدداً، فأعطته لزوجها وقالت له طـ.ـلـ.ـقني، وذهبت إلى بيت أهلها.

وما إن عادت إلى بيت أهلها، وانتشر الخبر بين العرب، حتى بدأ الخطاب يأتون إليها، وكان بينهم رجلاً يدعى “مرداس بن عامر السلمي” وكان يلقب بـ”الفيض” بسبب كرمه الكبير، فقبلت به كونه من أبناء عمومتها، وأنجبت منه عدة أبناء يقال أنهم ابنة و4 أبناء، وما لبث أن تـ.ـوفى، وقد كتبت فيه شعراً رثـ.ـته فيه.

بداية فصل جديد في حياة الخنساء 

في أحد الأيام، كان معاوية أخو تماضر، يسير في سوق عكاظ، فرأى امرأة جميلة أعجب بها وأرادها لنفسه، فذهب إليها وكلمها وطلب وصلها، فأخبرته أنها زوجة “هاشم الغطفاني” وهو سيد سادات غطفان آنذاك.

لم يأبه معاوية بما قالته المرأة، وقال لها وإن يكن، فقالت له اذهب إلى هاشم “دونك هاشم”، أي أن زواجي بيننا، فاذهب لزوجي إن طـ.ـلقـ.ـني تزوجتك، وهذا معنى حديثها، وذهبت لزوجها وأخبرته بما كان من معاوية.

بدأ الكلام بين معاوية وهاشم قيلاً عن قال، وكل واحد منهما يتحدث عن الآخر، إلى أن وعد معاوية بأن يقـ.ـتـ.ـل هاشم ويتزوج من امرأته عنـ.ـاداً به، وقد وصل ذاك الحديث إلى هاشم.

عزم معاوية أمره على الخروج لهاشم، وصحب معه ما يصل لـ 20 فارس، وخرج باتجاه هاشم، وفي أثناء الطريق كان يورد خيله على أحد الآبار، فرأته امرأة وعرفته، فذهبت لهاشم وأخبرته أن معاوية ومعه رجال قريب من منازلنا.

فجمع هاشم فرسان قومه وخرج لمعاوية ومن معه، فقـ.ـتـ.ـلوه، وقد تمكن الفرسان الذين كانوا مع معاوية من قـ.ـتـ.ـل سيد من أسياد غطفان قبل أن يعودوا لصخر ليخبروه بما كان لأخيه من هاشم وقومه.

لما وصل الخبر لتماضر وأخيها صخر، بدأت الخنساء بـ.-رثـ.ـاء أخيها وانطلق لسانها بالشعر أكثر فأكثر، فيحكى أن أول ما كتبته كان لزوجها وأبو أولادها.

تعبيرية

أما صخر عندما وصله نبأ معاوية لم يصدقه بالبداية، ولم يقبل بالسيد من غطفان بأخيه، وجهّز لحـ.ـرب غطفان، عزماً على الـ.ـثـ.ـأر لأخيه.

حاولت الخنساء أن تثني صخر عن الـ.ـثـ.ـأر لمعاوية، وأن يكتفي بأن الفرسان الذين معه قد أخذوا حقه، لكنه لم يقبل وأصر على الخروج لبني غطفان، وخرج لهم لعدة مرات وقـ.ـتـ.ـل منهم العشرات.

إلى أن أصـ.ـيـ.ـب في إحدى المرات، فعاد لمنزله وعملت الخنساء من أجل شفـ.ـائه لعدة أشهر، حتى تـ.ـوفي، وقد كان ذلك السبب الرئيسي في انفـ.ـجـ.ـار قـ.ـريحـ.ـة الخنساء الشعرية.

وبدأت تكتب الشعر بأخيها صخر، وأصبحت من أعظم شعراء العرب وقد ارتبط اسمها باسم أخيها السيد العظيم صخر، والذي كان رحيماً معها وله معها مواقف كثيرة طيبة مثل موقف الإبل.

اقرأ أيضاً: بخطّةٍ عبقرية انتصر على 300 ألف من الروم بـ”اليرموك” وهو “معـ.ـزول”.. خالد بن الوليد الذي أقرّه أبو بكر وعـ.ـزله الفاروق عمر عن الجيش

وقد ندرت الخنساء ندراً غريباً بعض الشيئ، وقد كان أن تحـلق شعرها وتضع حذاء صخر في رقبتها ما حييت، ويحكى أنها كانت تنام وحذاء صخر برقبتها.

وفي أحد الأيام، كان النابغة الذبياني في سوق عكاظ، وهو من أشعر العرب، وكان يجلس في قبته بسوق عكاظ يحكّم بالشعر، (يأتيه الشعراء فيقول أنت شاعر، أنت لست بشاعر) شيء يشبه آراب غوت تالنت في هذا الزمن.

وفي أثناء جلوس النابغة بمجلسه، دخلت عليه تماضر الجميلة، وبدأت بالإنشاد فور دخولها إليه، وما إن سمع منها البيت الأول حتى أبدى اهتماماً وجلس جلوس المستمع للقصيدة التي تعتبر واحدة من أشهر القصائد في التاريخ العربي، حسبما تروي بعض المصادر التاريخية.

فتقول الخنساء في قصيدتها:” 

قـ.ـذى بعينيك أم بالعين عــ.ـوّارُ .. أم ذرّفت إذ خلت من أهلها الدارُ، كأن عيني لذكراه إذا خــ.ـطـرت فيضٌ يسيل على الخدين مدرارُ، تبـ.ـكي لصخرٍ هي العبرى وقد ولهت.. ودونه من جديد الترب أستارُ”.

وتضيف في قصيدتها الطويلة، والتي نكتفي بقدرٍ يسير منها :” تبـ.ـكي خناسٌ فما تنفك ما عمرت .. لها عليه رنين وهي مفتار، تبـ.ـكي خناسٌ على صخرٍ وحقّ لها.. إذ رابها الدهرُ إن الدهرَ ضـ.ـرّارُ”.

أبيات شعرية كتبتها تماضر في أخيها صخر

فلما سمع النابغة قصيدتها، سألها من أنت، فقالت أنا تماضر الخنساء، فأجابها حسبما تذكر المصادر التاريخية :” والله لو لم يدخل علي الأعشــى قبلك لقلت أنك أشعر الإنس والجن”.

ويحكى أن الصحابي الجليل حسان بن ثابت قد كان حاضراً، وكان هذا قبل الإسلام، فقال للنابغة أنا أشعر منها، فقال له النابغة أنت لم تعلم ما قالته، وقال له :” إنّك أشعر ذات ثديين” أي أشعر النساء على وجه الأرض.

الخنساء في الإسلام 

بعد ما كان من الخنساء قبل الإسلام، سمعت في السنة الثامنة للهجرة بدعوة رسول الله محمد صلى الله عليها وسلم، وجاءت مع قبائل من بني سليم للرسول عليه الصلاة والسلام وأسلمت.

ويحكى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلمت الخنساء سألها عن شعرها، وطلب منها أن تسمعه بعضه، وقد فعلت، فأبدى إعجابه به.

مرت السنوات، وفي عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي أثناء فتح بلاد فارس في القادسية، خرج بين المسلمين الخنساء وأبناءها الأربعة معها، وهي كانت معهم لمساعدة الجـ.ـرحى وغيره من تقديم الخدمة للجيش المسلم.

ويحكى أن الخنساء كانت تخطب بأولادها وتشجعهم على الجهـ.ـاد في سبيل الله، ثم أرسلتهم في اليوم الأول والذي كان فيه الفيلة، وبدأ رجال المسلمين يعودون تباعاً إلى أن انتصف الليل ولم يصل أبناءها.

أبيات شعرية أخرى قالتها الخنساء

فسألت رجال المسلمين عن أولادها، فكانوا في حيرة من إخبارها بأنهم قد استشهـ.ـدوا جميعاً، فأجابوها أنّهم قد استشهـ.ـدوا جميعاً في سبيل الله، فقالت :” اللهم لك الحمد أن مننت علي باستشهـ.ـادهم وموعدنا الجنة بإذن الله” وبدأت تتباشر بين الناس بما كان لأولادها.

الخنساء والفاروق عمر بن الخطاب في مكة

مرت السنوات، وكانت في أحد الأيام تسير في مكة المكرمة، فذهب بعض الناس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقالوا له أننا مستـ.ـائين من الخنساء فهي ما زالت تعلّق نعلي صخر على رقبتها وتحلق رأسها وتطوف بالبيت.

فذهب إليها عمر الفاروق، وتكلم معها وسألها لم تفعلين ذلك حتى الآن قائلاً ” يا خناس ما الذي أبـ.ـكى مـآقـي مقلـ.ـتـ.ـيك” ، فقالت هو الحـ.ـزن على سيدا مضر (بكاء السادات من مضر أخويها معاوية وصخر) ، فقال لكن هذا لا يجوز في الإسلام (أولئك قوم مضوا في الجاهلية) فأجابته:” كنت أبـ.ـكـ.ـيهم للثـ.ـأر والآن أبـ.ـكيـ.ـهم للنـ.ـار” .

فقال لها عمر بن الخطاب أما زلت تكتبين في صخر (شعر) وطلب أن تسمعه بعضاً مما كتبته به، فقالت له من جديده أم قديمه، فقال أوجديدٌ أيضاً يا تماضر؟ فقالت “نعم لا ترقأ عيني عليه”، وكان في سؤاله استغـ.ـراب من أنها ما زالت تكتب في صخر، فقال من جديده إذاً.

اقرأ أيضاً: قال أنّه حفيد كسرى ومن خادم لـ”مؤسس” الدولة العباسية.. قصّة “أبومسلم الخراساني” الذي ذهب به دهاء أبو جعفر المنصور

فأنشدت الخنساء على عمر بن الخطاب، فبـ.ـكى وذكر أخاه زيد ابن الخطاب، ثم اتجه إلى الناس وقال :” دعوها ما تزال حـ.ـزيـ.ـنة أبدا”.

وتقول تماضر أن عمر بن الخطاب عندما لقيها لم ينـ.ـهـ.ـرها ولم يجـ.ـبـ.ـرها على شيء.

تـ.ـوفيت تماضر الخنساء في عام 24 للهجرة عن عمرٍ يقدر بحوالي 71 سنة، وهي مثالاً للمرأة العظيمة التي قدّمت الكثير في الحياة وصبرت، وقدّمت أولادها في سبيل الله عن طيب خاطر وإيمان عظيم باللقاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى